للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تؤيده قواعد الدين الحنيف، دين الأدب والأخلاق، فقد حثت السنة على الغيرة على الأعراض، وأوجبت الدفاع عنها في كثير من المواضع، وزجرت الذي يرضى بالفساد زجراً شديداً، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً: الديوث، والرجلة من النساء، ومدمن الخمر. فقالوا: يا رسول الله أما مدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديوث؟ قال الذي لا يبالي من دخل على أهله. قيل: فما الرجلة من النساء؟ قال: "التي تشبه بالرجال" رواه الطبراني، وروى مثله النسائي، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، وقد روى البخاري أن سعد بن عبادة قال للنبي صلى الله عليه وسلم "لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتعجبون من غيره سعد؟! لأنا أغير منه والله أغير مني".

فإذا كانت قواعد الإسلام مبنية على الغيرة على الأعراض واحتقار الديوث وحرمانه من رضوان الله، فكيف يكون طلاق فاسدة الأخلاق مندوباً فقط؟! لا شك أنه واجب وإمساكها محرم، وليس من الشهامة أن يصبر الإنسان على عضو فاسد حتى يفسد جميع بدنه خوفاً من التألم الذي يلحقه عند بتره، أما إذا كان السبب عدم صلاحية المرأة للاستمتاع، بسبب عيوب قائمة بها أو كبر أو نحو ذلك. فإنه يباح للرجل في هذه الحالة أن يطلقها على أن الشريعة في هذه الحالة تنظر إلى الآثار المترتبة على إمساكها، أو تطليقها. فإن كان الرجل في غنى عن النساء وليس له أمل في ذرية فإنه يترجح إمساكها، خصوصاً إذا كان طلاقها يؤذيها ويعرضها للبؤس والشقاء فإن الرحمة والشفقة من الضروريات في نظر الشريعة، وإن كان إمساكها يترتب عليه فساد الرجل كما هو مشاهد في بعض الشبان الذين يتزوجون العجائز طمعاً في مالهن لينفقوه على شهواتهم المحرمة، فإن إمساكها يكون حراماً.

- ٤ - أما الجواب عن السؤال الرابع، فإن أمر عمر في هذه الحالة بأن يأمر ابنه معناه أن يبلغه أمر الوصول. وبذلك يكون الأمر موجهاً إلى عبد الله مباشرة، وهذا مما لا يصح أن يرتاب فيه، لأن المسألة مختصة بعبد الله، وليس لأبيه عمر أي دخل فيها، فلا يصح أن يقال: إن المسألة الأصولية إذا أمر شخص غيره بأمر يأمر به غيره لا يكون المأمور الثاني مكلفاً بذلك الأمر، ونظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع" فالأولاد ليسوا مأمورين بهذا الأمر، لأن هذا محله إذا كان المأمور الثاني غير مكلف كالأولاد، ولم تقم قرينة على أن الأمر متعلق بالمأمور الثاني كما هنا، لأن الأمر إن لم يكن مختصاً بعبد الله كان لغواً لا معنى له إذ لا علاقة له بعمر، فهذا المبحث لا يظهر تطبيقه على هذا الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>