للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رماهم هؤلاء بالآجر. فوقعت الفتنة، وقتل من أولئك رجل من العامة، وجرح آخرون، وأخذت ثياب.

وأغلق أتباع ابن القشيرى أبواب سوق مدرسة النظام، وصاحوا: المستنصر بالله، يا منصور - يعنون العبيدى صاحب مصر - وقصدوا بذلك التشنيع على الخليفة العباسى، وأنه ممالئ للحنابلة، لا سيما والشريف أبو جعفر ابن عمه.

وغضب أبو إسحاق، وأظهر التأهب للسفر. وكاتب فقهاء الشافعية نظام الملك بما جرى، فورد كتابه بالامتعاض من ذلك، والغضب لتسلط الحنابلة على الطائفة الأخرى. وكان الخليفة يخاف من السلطان ووزيره نظام الملك ويداريهما.

وحكى أبو المعالى صالح بن شافع، عن شيخه أبى الفتح الحلوانى وغيره، ممن شاهد الحال: أن الخليفة لما خاف من تشنيع الشافعية عليه عند النظام أمر الوزير أن يجيل الفكر فيما تنحسم به الفتنة. فاستدعى الشريف أبا جعفر بجماعة من الرؤساء منهم ابن جردة، فتلطفوا به حتى حضر فى الليل، وحضر أبو إسحاق، وأبو سعد الصوفى، وأبو نصر بن القشيرى. فلما حضر الشريف عظّمه الوزير ورفعه، وقال: إن أمير المؤمنين ساءه ما جرى من اختلاف المسلمين فى عقائدهم، وهؤلاء يصالحونك على ما تريد، وأمرهم بالدنوّ من الشريف. فقام إليه أبو إسحاق، وكان يتردد فى أيام المناظرة إلى مسجده بدرب المطبخ، فقال:

أنا ذاك الذى تعرف، وهذه كتبى فى أصول الفقه، أقول فيها: خلافا للأشعرية، ثم قبل رأسه.

فقال له الشريف: قد كان ما تقول، إلاّ أنك لما كنت فقيرا لم تظهر لنا ما فى نفسك، فلما جاء الأعوان والسلطان وخواجا بزرك (١) - يعنى النظام - أبديت ما كان مخفيا.


(١) معناه: العظيم. وكان لقب الوزير نظام الملك

<<  <  ج: ص:  >  >>