للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتملك، وإن حصل الرد بنكوله أو بإقراره بقضاء القاضي بأن أقر بالعيب أولاً، ثم أبى القبول، فكذلك الجواب عند علمائنا يرده على البائع الأول؛ لأن هذا فسخ حصل بقضاء القاضي بغير رضا المشتري الأول، فيكون فسخاً في حق الكل كما لو حصل الرد بالبينة.

وإنما قلنا حصل بغير رضا المشتري الأول أما نصاً فظاهر، وأما دلالة فلأن الرضا بالفسخ بطريق الدلالة لو ثبت يثبت من حيث إنه باشر سبب الفسخ بالنكول أو الإقرار بالعيب، ليس بسبب للفسخ، فإن الفسخ لايوجد وإنما يوجد بقضاء قاض عن اختيار، وحكم الشيء ما يثبت به من غير أن يتخلل بين السبب وبين الحكم بفعل فاعل مختار، أكثر ما فيه أن القاضي مضطر في هذا، وهذا الاضطرار إنما جاء من جهة المشتري الأول بإقراره أو بنكوله، فيكون بمعنى المكره من جهته، وفعل المكره يتنقل إلى المكره، فيصير كأن المشتري الأول باشر الفسخ بنفسه، إلا أن نقول: فعل المكره إنما يتنقل إلى المكره فيما صلح آلة للمكره كما في القتل والإتلاف، وأما فيما لايصلح آلة للمكره فعل المكره لا يتنقل إليه. ألا ترى أن في حق الإثم في الإكراه على القتل لايصير فعل المكره منقولاً إلى المكره؟ لأنه في حق الإثم لا يصلح إلا له، وأما القاضي لا يصلح إلا للمشتري الأول في حق القضاء بالفسخ؛ لأن القضاء بالفسخ يكون بالكلام، والإنسان لا يصلح آلة لغيره في الكلام؛ إذ لا يتصور أن يصير الشخص الواحد متكلماً بكلام غيره. قال بعض مشايخنا: هذا الجواب الذي ذكر في فصل البينة والنكول مستقيم إذا لم يجحد المشتري الأول أن هذا العيب كان عنده بل سكت، فإن البينة على الساكت مسموعة، والساكت يستحلف أيضاً، فأما إذا جحد الأول أن هذا العيب كان عنده ورد عليه بالنكول أو بالبينة، فعلى قول أبي محمد: ليس له أن يخاصم البائع الأول لمكان التناقض، وعلى قول أبي يوسف: له ذلك؛ لأن القاضي لما قضى عليه بالرد فقد أبطل جحوده والتحق بالعدم.

وعامتهم على أن الجواب في فصل الإقرار هكذا إن سبق منه الجحود نصاً، بأن قال: بعتها وما به هذا العيب، وإنما حدث عندك، ثم أقر به بعد ذلك وأبى القبول، فرد عليه القاضي لايكون له مخاصمة بائعه عند محمد؛ لأنه حصل مقراً لبائعه بسلامة العبد عند العيب حيث قال للمشتري الثاني: لم يكن به هذا العيب حين بعتها منك، لو بطل إقراره للبائع الأول بسلامته عن العيب، إنما يبطل بإقراره الثاني بعد ذلك، ولا يقدر المقر له على إبطال إقراره الأول بإقرار يكون منه بعد ذلك، فبقي إقراره الأول بسلامة المبيع عن هذا العيب عند البائع الأول، فلا يصح منه دعوى كون السلعة معيبة بعد ذلك لمكان التناقض.

وذكر في «المنتقى» : إذا اشترى عبداً وقبضه وأراد أن يرده على بائعه بالعيب فقال البائع: هذا العيب حدث عندك واستحلف القاضي البائع، فأبى أن يحلف فرده عليه قال: له أن يرده على بائعه، أي: له أن يخاصم بائعه فيه و (لو) لم يأب اليمين ولكن أقر بالعيب فرد عليه بإقراره لم يكن له أن يخاصم بائعه، فقد ذكر المسألة مطلقاً من غير تفصيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>