للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي «نوادر هشام» : عن محمد في رجل اشترى من آخر داراً وقبضها، ثم ردها بعيب بغير قضاء، قال: كان أبو حنيفة يقول مرة: كل شيء لو رفعا إلى القاضي قضى به، ففعل هذا دون القاضي، فهو على حقه مع بائعه الأول.

ولو وهبها وسلم، ثم رجع في الهبة بقضاء أو بغير قضاء، فله أن يردها على بائعه بناء على أن الرجوع في الهبة فسخ من كل وجه سواء كان بقضاء أو بغير قضاء، وفيه كلمات كثيرة قد ذكرناها في كتاب الهبة من هذا الكتاب.

قال محمد رحمه الله في «الجامع» : رجل اشترى من آخر جارية وباعها من غيره، فظهر بها عيب عند المشتري الآخر مما يحدث، فجاء به إلى المشتري الأول وأراد الرد عليه، فقال المشتري الأول: بعتها وما كان بها هذا العيب، وإنما حدث عندك وأقام المشتري الآخر بينة أن هذا العيب كان بها عند البائع الأول، فردها القاضي على المشتري الأول، فللأول أن يردها بذلك العيب على البائع الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهم الله (وعند محمد رحمه الله) لا يردها.

وجه قول محمد: أن المشتري الأول لما ادعى حدوث العيب عند المشتري الثاني، فقد أنكر قيامه عنده وأقر أنه لم يكن عند البائع الأول، وبقضاء القاضي صار مكذباً في إنكاره في إقراره؛ لأن شرط جواز القضاء بالرد على المشتري قيام العيب عند بائعه، فبقي حكم إقراره (١٠٧ب٣) فلا يكون له أن يخاصم بائعه.

ولهما: أن المشتري الأول صار مكذباً شرعاً فيما زعم بقضاء القاضي عليه بالرد، والتحق زعمه بالعدم.

نظيره مسألة الشفعة فإن المشتري إذا أقر بالشراء بألف والدار في يديه وأقام البائع بينة على البائع بألفين، فالشفيع يأخذ من المشتري بألفين، وإن زعم المشتري أن حقه في الألف ولكن لما صار مكذبا شرعاً بقضاء القاضي التحق زعمه بالعدم، وما يقول بأنه صار مكذباً فيما أنكر لافيما أقر، قلنا: الإقرار بعدم العيب عند البائع الأول لم يؤخذ نصاً، وإنما يثبت في ضمن دعوى الحدوث في يد المشتري الثاني، وإذا صار مكذباً في المتضمن بطل المتضمن ضرورة.

هذا إذا أقام المشتري الآخر بينة على أن هذا العيب كان عند البائع، فأما إذا أقام بينة أن هذا العيب كان عند المشتري الأول لم يذكر هذا الفصل في «الجامع» ، وإنما ذكر في إقرار الأصل، وقال: ليس للمشتري الأول مخاصمة بائعه بالإجماع، ووجه ذلك: أن المشتري الأول لم يصر مكذباً فيما أقر من كون الجارية سليمة وقت شرائه عند البائع الأول؛ لأن المقر الأول إنما يصير مكذباً في إقراره إذا قضى القاضي بالبينة عليه بخلاف ما أقر به، وهنا القاضي لم يقض على المشتري الأول بخلاف ما أقر به؛ لأن المشتري الأول أقر بكونها سليمة وقت شرائه إياها عند البائع الأول، والقاضي قضى بكونها معيبة وقت بيع الأول من المشتري الثاني؛ لأن القاضي قضى بالرد على المشتري الأول، وشرط كونها معيبة عند المشتري الأول؛ لأن عند البائع الأول لم يثبت بقضاء القاضي

<<  <  ج: ص:  >  >>