للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَرُخِّصَ بِهِ إِظْهَارُ الكُفْرِ مطمئنَّاً بالإِيمَانِ قَلْبُهُ. وَبِالصَّبْرِ أَجْرٌ

===

الأْولَى فلقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثمَ عَلَيْهِ} (١) ، وقوله: {فَمَنْ اضْطُرَّ في مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٢) . وأما الثانية، فلأن الحرمة متعلّقة بصفة الميتة أو الخمر، وبالضرورة لا يزول ذلك، فإذا امتنع المضطرّ كان امتناعه من تناول الحرمة فلا يأثم، لأنه متمسك بالعزيمة.

ووجه الظاهر أن حالة الاضطرار مستثناة من الحرمة، قال الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (٣) والمستثنى من الحرام حلال، ومن امتنع عن الطعام الحلال حتَّى هلك يكون آثماً، وأمّا لو فعل ما ذكر من غير ملجاء: بأَن يكون بضربٍ أو حبسٍ أو قيدٍ، فلم يحِلّ.

(وَرُخِّصَ بِهِ) أي بالملجاء (إِظْهَارُ الكُفْرِ مطمئناً بالإِيمَانِ قَلْبُهُ) أي قلب المظهر، لقوله تعالى: {مَنْ كَفَر باللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ بالإِيمَانِ} (٤) … الآية. ولِمَا روى الحاكم في «المستدرك» في تفسير سورة النحل عن أبي عُبَيْدة بن محمد بن عمَّار بن ياسر ـ وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين ـ أَنْ المشركين أخذوا عمَّار بن ياسر فلم يتركوه حتّى سبّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه. فلمّا أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له: «ما وراءك»؟ قال: شرٌّ يا رسول الله، ما تُركْتُ حتّى نِلْتُ منك، وذكرت آلهتهم بخير. قال: «فكيف تجد قلبك»؟ قال: مطمئناً بالإيمان. قال: «فإن عَادُوا فَعُدْ». ورواه أبو نُعَيْم في «الحلية»، وعبد الرَّزَّاق في «مصنفه»، وفيه نزل قوله تعالى: {إلاّ مَنْ أُكْرِه وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ بالإيمَانِ} … الآية.

(وَبِالصَّبْرِ أَجْرٌ) أي وإن لم يُظْهِر الكفر وصبر على ما أُكْرِه من قتلٍ أو قطعٍ أُثِيبَ، لأن الحرمة لمّا كانت باقية، كان باذلاً نفسه لإِعزاز الدين تمسّكاً بالعزيمة، فكان شهيداً. ولِمَا رُوِيَ أن مُسَيْلَمة الكذّاب أخذ رجلين فقال لأحدهما: ما تقول في محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فما تقول فيّ؟ قال: أنت أيضاً، فخلاّه. وقال للآخر: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فما تقول فيّ؟ قال: أنا أصمّ، فأعاد عليه ثلاثاً، فأعاد جوابه فقتله، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أما الأوّل فقد


(١) سورة البقرة، الآية: (١٧٣).
(٢) سورة المائدة، الآية: (٣).
(٣) سورة الأنعام، الآية: (١١٩).
(٤) سورة النحل، الآية: (١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>