للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإتْلَافُ مَالِ مَسْلِمٍ، وَضَمِنَ الحَامِلُ لَا قَتْلُهُ،

===

أخذ برخصة (الله تعالى) (١) ، وأمّا الثَّاني فقد صدع بالحقّ فهنيئاً له». وما في «صحيح البخاري» من صَبْر حُبَيْب على القتل، وقوله حين عزموا على قتله:

*ولَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً ** على أيِّ شِقٍ كَانَ للَّهِ مَصْرَعي

*وذَلِكَ في ذَاتِ الإلَهِ وإنْ يَشَأْ ** يُبَارِك عَلَى أَوْصَال (شِلوٍ) (٢) ممزّع

أي أعضاء جسدٍ مقطّع، وهو خُبَيْب بن عَدِيّ الأنصاري، حضر بدراً وأُسِرَ في غزوة الرَّجِيع سنة ثلاث، فانْطُلِقَ به إلى مكة فاشتراه بنو الحارث بن عامر، وكان خُبَيْب قد قتل الحارث يوم بدرٍ كافراً، فاشتراه بنوه فأقام عندهم أسيراً، ثُمَّ صلبوه بالتَّنْعِيم، وهو أول من صُلِبَ من أهل الإسلام، ولمّا خرجوا به من الحَرَم ليقتلوه قال: دَعُوني أُصلّي ركعتين، ثم أنشأ البيتين.

(وَ) رُخِّصَ بالملجاء (إتْلَافُ مَالِ مَسْلِمٍ) لأن مال الغير يُسْتَبَاح للضرورة، كما في حال المَخْمَصة، وقد تحقَّقت الضرورة هنا. ولو صبر حتّى قُتل كان شهيداً، لأنه بذل نفسه لإِعزاز الدين، لأن الحرمة باقية، فالامتناع عزيمة.

(وَضَمِنَ الحَامِلُ) لصاحب المال، لأن المُكرَه آلة للحامل فيما يصلح آلة، وهو الإتلاف، فكان الحامل هو المُتْلِف لهذا المال. (لَا قَتْلُهُ) أي لا يُرَخَّص قتل المسلم بالإكراه الملجاء على قتله، لأن قتل المسلم لا يُبَاح للضرورة، فكذا للإكراه. ولأن دليل الرُّخصة خوف التلف، والمكرِه والمكرَه عليه في ذلك سواء. فسقط الكره للتعارض.

ولو قال: لَتَقْطَعَنَّ يد نفسك أو لأقْطَعَنَّها أنا، لم يسعه قطعها، لأنه في الجانبين عليه ضرر قطع اليد، وإذا امتنع صارت يده مقطوعةً بفعل المكرِه، وإذا أقدم عليه صارت مقطوعةً بفعل نفسه، وهو يتيقّن بما يفعله بنفسه، ولا يتيقّن بما هدَّده به المكرِه، إذ ربّما يخوّفه بما لا يحقّقه، فلهذا لا يسعه قطعها، ولو قطعها لم يكن على الذي أكرهه شيءٌ.


(١) ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط.
(٢) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع. وهي صحيحة لموافقتها لما في صحيح البخاري (فتح الباري) ٧/ ٣٨٩ - ٣٧٩، كتاب المغازي (٦٤)، باب غزوة الرجيع (٢٨)، رقم (٤٠٨٦).
الأوصال: جمع وصل وهو العضو، والشِلو: الجسد، فيصبح المعنى: أَعضاء جسد يقطع. فتح الباري ٧/ ٣٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>