للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الثلاثة» عن عائشةَ، عنه عليه الصلاة والسلام: «لا نَذْرَ في معصية، وكفارتُه كفارَةُ يَمِين». وفي النَّسائي عن عِمْران بن حُصَيْن مرفوعاً يقول: «النَّذْرُ نَذْرَانِ، فَمَنْ كان نَذَرَ في طاعة الله، فذلك لله، ففيه الوفاءُ، ومَنْ كانَ نَذَرَ في معصيةِ اللهاِ، فذلك للشيطان، فلا وفاء له، ويُكَفِّرهُ ما يُكَفِّرُ اليمين».

ولنا أَنَّ هذا نَذْرٌ بصومٍ مشروع، لأَن الدليل الدَّالُّ على مشروعيته ـ وهو كونه كَفَّاً للنفس، التي هي عدو الله، عن شهواتها ـ لا يفصل بين يوم ويوم، فكان من حَيْثُ حقيقتُهُ حسناً مشروعاً، والنذر بما هو مشروع جائز، وما رُوِي من النهي فإِنَّما هو لِغَيْره، وهو ترك إِجابة دعوةِ الله تعالى، لأَن الناس أَضياف الله تعالى في هذه الأَيام، وإِذا كان النهي لغيره لا يمنع صحته من حيث ذاتُه، فيجب الفطرُ، لئلا يصير مُعْرِضاً عن ضيافة الكريم، ويجب القضاءُ باعتبار ذاته القويم، ويُجزئه إِنْ صام فيها لأَنه أَدَّاه كما التزمه، فإِنَّ ما وجب ناقصاً يجوز أَنْ يُؤَدَّى ناقصاً مع ارتكاب الحرمة الحاصلة من الإِعراض.

ثم اعلم أَنه يلزم الوفاء بنذرِ ما مِنْ جِنْسِهِ وَاجِب مقصود وليس بواجب، فهذه ثلاث شروط لا يصح النذر بدونها إِلاَّ إِذا قام الدليل على خلافه، فيلزم بالعتق، والاعتكاف، وبنذر الحج ماشياً، ولا يلزم الوضوء وسجدة التلاوة بالنذر، ولا عيادة المريض إِذْ ليس من جنسه وَاجب، وإِيجاب العبد معتبر بإِيجاب الرب، إِذْ له الاتباع لا الابتداع.

ثم إِنْ كان النذر مطلقاً وَفَى به لقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُم} (١) ، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، ومَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِي اللَّهَ، فلا يَعْصِهِ». رواه البخاري. والإِجماع على وجوب الإِيفاء به، وبه استدل القائلون بافتراضه. وكذا إِذا كان مُعَلَّقاً بِشَرْط يريد كونه، كـ: إِنْ شَفَى اللهُ مريضي فعليَّ كذا، وَفَى به، وبشرطٍ لا يريد كَوْنَهُ، كـ: إِنْ شفَى اللهُ عَدُوِّي، وَوُجِدَ الشَّرْطُ يَلْزَمُهُ الوفاءُ به في ظاهر الرواية عن أَبي حنيفة، لإِطلاق الآية والحديث.

وأَجاز محمدٌ الاكتفاء بالكفارة، وقال: إِنْ شاء فعل المنذور، وإِن شاء أَتَى بكَفَّارَة اليمين، وهو رواية «النوادر»، وهو المَرْوِيُّ عن أَبي حنيفة آخراً، وبهذا كان يُفْتي إِسماعيل الزاهد، ومشايخ بُخَارى، وهو اختيار شمس الأَئمة، وَوَجْهُهُ ما في «صحيح مسلم» من حديث عُقْبَةَ بنِ عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ


(١) سورة الحج، الآية: (٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>