للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنْ دَامَ عَجْزُهُ إِلى مَوْتِهِ، ونَوَى عَنْه

===

(إِنْ دَامَ عَجْزُهُ إِلى مَوْتِهِ) فلو أَحَجَّ عنْ نَفْسه وهو محبوسٌ أَوْ مَرِيضٌ، إِنْ ماتَ به أَجزأَه الحج، وإِنْ تَخَلَّص منه بطلَ إِجزاؤه عنه فرضاً، فيبقى نَفْلاً. وذلك لأَن الحج فُرض في العمر مرة فيُعْتبر استمرارُ العَجْز فيما بَقِي مِنْه.

(ونَوَى عَنْهُ) وَحْدَه على التعيين. حتى لو نوى الحج عن الآمرين على التعيين ضمِن النفقة لكلَ منهما وكان الحج له. ولو نواه عن واحدٍ منهما غير مُعَيّن ولم يعيِّن أَحدهما قبل طواف القدوم والوقوف ضمِن النفقة، وإِنْ عيَّن أَحدهما جاز استحساناً عند أَبي حنيفة ومحمد، كما لو أَهَلَّ الحج عن أَبويه ثُم عيَّنه لأَحدهما، وذلك لأَنَّ الإِبهام واقع في الإِحرام وليس بمقصودٍ، وإِنما المقصود الأَفعال، والتَّعْيين في الانتهاء بمنزلةِ التعيينِ في الابتداء. أَلَا ترى أَنه لو أَحرم ولا ينوي حجةً ولا عُمرةً بعينها كان له أَنْ يُعَيِّنَ في الانتهاء ويجعل ذلك كتعيينه في الابتداء.

وعند أَبي يوسف وقع الحج عن المأْمور وضمِن النفقة لأَنه مأْمور بتعيين الحج، فإِذا لم يعين فقد خالف فيضمن النفقة. ولو نواه ساكِتاً عن المحجوج عنه، لا نَصَّ فيه، وينبغي أَنْ يصح التعيين باتفاقهم لعدم المخالفة. وهذا كلُّه بطريقِ النيابة. وأَمَّا الاستئجار فلا يجوز عندنا، وإِذا لم يجز بقي أَمره بالحج فيكون له نفقةُ مثلهِ في ماله، وليست بِعَوض، ولكن يستحقُّ كفايتَه لأَنه فرَّغ نفسه لعملٍ ينتفع به فيستحق الكفاية في ماله، كالقاضي والعامل.

ولو حج عن أَبيه أَوْ أُمه حجة الإِسلام مِنْ غير وصيةٍ أَجزأَه إِنْ شاءَ الله تعالى، لما روينا من حديث الخَثْعَمِيَّة وغيرها. وإِنما قيَّد محمد الجواب بالاستثناء (١) بعد ما صح الحديث فيه، لأَن خبر الواحد لا يوجِب العلم اليقيني. فإِنْ قيل: فقد أُطْلِق الجواب في كثيرٍ من الأَحكام الثابتة بخبر الواحدِ. قلنا: لأَن خبر الواحد موجِبٌ للعَمل، فما طريقُه العمل أُطْلِق الجواب فيه. فأَما سقوط حَجَّةُ الإِسلام عن الميت بأَداء الوَرثة فطريقُه العِلْم، فإِنه أَمْرٌ بَيْنَه وبين الله، فلهذا قَيَّد الجواب بالاستثناء.

ثُم مِنْ شرائط جواز الإِحجاج: أَنْ يحج بمالِ المحجوج عنه، فإِنْ تبرَّع الحاجُّ عنه بمالِ نَفْسه لم يَجُز، فينفق على نفسه بالمعروف في الطعام، والشراب، والكسوة في الطريق، وثَوْبَي إِحرامه، وما فضَل ردَّه إِلى الورثة أَوْ الوصي، إِلاَّ أَنْ يوصِي الميت له


(١) أي بقوله بعد أجزأه: "إن شاء الله تعالى".

<<  <  ج: ص:  >  >>