للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضَمِنَ النَّفَقَةَ إِنْ جَامَعَ قَبْلَ وُقُوفِهِ، وإِنْ مَاتَ في الطَّرِيق، يُحَجُّ مِنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ بِثُلُثِ ما بَقِي، لا مِنْ حَيثُ مَاتَ

===

له في القِران. أَمَّا لو أَمَره اثنان أَحدهما بالحج والآخر بالعمرة ولم يأَذنا له بالقِران وقرن كان مخالفاً، إِذْ المأْمور بالإِفراد مخالِفٌ بالقِران وإِن نواه للآمر عند أَبي حنيفة، كالتمتع للآمر بالإِفراد. وإِنما يصير مخالفاً لأَنه مأْمور بأَن يحج عنه من الميقات، والمتمتع يحج من جوف مكة فكان هذا غير ما أَمره به.

وقالا: هو موافِقٌ، وهذا استحسانٌ لأَنه أَتى بالمأْمور وزاد عليه ما يجانسه فلا يصير به مُخالِفاً، كالوكيل بالبيع إِذا باع بأَكثر مِمَّا سُمِّي له من جنسه. ويوضِّحه أَنَّ القِران أَفضل من الإِفراد، فهو بالقِران زاد خيراً فلا يكون مخالفاً. وأَبو حنيفة يقول: هو مأْمورٌ بإِنفاق المال في سفرٍ مجرَّدٍ للحج، وسفره هذا ما انفرد للحج، بل للحج والعُمرة جميعاً فكان مخالِفاً، كما لو تمتع. ولأَن العُمرة التي زادها لا تقع عن الآمر، لأَنه لم يأْمره بها فلا ولاية عليه للحاج في أَداء النُّسك عنه إِلاَّ بِقَدْر ما أَمَره. أَلا تَرَى أَنه لو لم يأْمره بشيءٍ لم يَجُز أَداؤه عنه، فكذا إِذا لم يأْمره بالعُمرة. وإِذا لم تكن عمرته عن الآمر صار كأَنه نَوَى العُمرة عن نفسه وهناك يصير مخالِفاً فكذا هنا.

(وضَمِنَ النَّفَقَةَ) وعليه القضاء في مال نفسه (إِنْ جَامَعَ قَبْلَ وُقُوفِهِ) لأَن المأْمور به هو الحج الصحيح، والجِماع قبْل الوقوف يُفْسِد الحج. أَمَّا لو جامع بعد الوقوف فلا يَفْسُد حجُّه ولا يَضْمن النفقةَ، ولزِمه الدم لأَنه دمُ جنايةٍ، ودم الجناية على المأْمور بالحج.

(وإِنْ مَاتَ) المأْمور بالحج عن الميت (في الطَّرِيق) أَوْ سُرِقت نفقته (يُحَجُّ مِنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ) وهو الميت عند أَبي حنيفة (بِثُلُثِ ما بَقِي) من مال الميت على تقدير أَنْ يكون الحج عنه بوصيةٍ منه (لا مِنْ حَيْثُ مَاتَ) أَوْ سُرِقت نفقته كما قالا، وهو قول مالك والشافعيّ. وهذا مبنيٌّ على اختلافهم فيمن حجَّ بنفسه ومات في الطريق، فإِنه يوصِي بأَنْ يُحج عنه من منزله عند أَبي حنيفة، وعندهما ـ وهو الاستحسان ـ مِنْ موضع مات فيه، لأَن سفَره لم يبطُل بموته، لقوله تعالى: {ومَنْ يخرُج مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلى اللَّهِ ورَسُولِهِ ثُم يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَد وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} (١) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم «مَنْ خَرَج حَاجَّاً فمات كتب اللهُ له أَجْرَ الحاجِّ إِلى يومِ القيامةِ، ومَنْ خَرَجَ مُعْتَمِراً فماتَ كُتِبَ له أَجْرُ المُعتمِر إِلى يومِ القيامةِ، ومَنْ خَرَج غَازِياً في سبيلِ اللَّهِ فمات، كُتِبَ له


(١) سورة النساء، الآية: (١٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>