للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يخيب فأله، إذ قمع المنصور الثورة، ويمارع بشار فيحدث تغييرات فى القصيدة، ويجعلها فى مديحه (١)، غير أنه لا يستطيع الوفود عليه. ويأخذ منذ هذا التاريخ فى مديح ولاة البصرة، وخاصة سلم (٢) بن قتيبة الباهلى الذى وليها لخمسة أشهر فى سنتى ١٤٥ و ١٤٦ وعقبة (٣) بن سلم الهنائى الأزدى الذى وليها لأربع سنوات من سنة ١٤٧ إلى سنة ١٥١.

ويمضى بشار فى غزله الفاجر، وكان كل شئ فيه ينفّر المرأة، إذ كان قبيح المنظر مجدور الوجه جاحظ العينين قد تغشّاهما لحم أحمر، ولعل هذا القبح ونفور النساء منه هو الذى كان يستثير عنده الغريزة النوعية ويدفعه إلى الإفراط من غزله المكشوف. على أن هذا الغزل نفسه جعل بعض بنات الهوى اللائى كانت تكتظ بهن دور القيان يقبلن عليه ويتغنين فى شعره. وفى هذه الأثناء يصطدم بجماد عجرد وتنشب بينهما معركة هجاء حامية الوطيس.

ويتوفّى المنصور سنة ١٥٨ للهجرة ويخلفه المهدى فتطمح نفسه إلى الوفادة عليه والحصول على جوائزه، ويقدم بغداد ويلجأ إلى يزيد بن مزيد الشيبانى القائد الممدّح المشهور كى يذكره للمهدى ويدخله عليه، ويظهر أن يزيد كان يعرف سيرته فأخذ يسوّفه، غير أن قائدا آخر هو روح بن حاتم بلغه خبره وكأنما كان يود لو يصبح من ممدوحيه، فتبرّع بذكره للمهدى متلطفا، فأمر بإحضاره، ولم يكد يفرغ من إنشاده مدحته التى أعدّها حتى وصله بعشرة آلاف درهم ووهب له عبدا وقينة وخلع عليه خلعا كثيرة (٤)، وجعله من سمّاره ومن يحضرون مجالسه (٥).

وكانت فى المهدى شدة فى شئون الدين وانتهى إليه من غير وجه أن بشارا يفسد النساء والشباب بغزله الفاضح، فأمره أن يكفّ عن ذلك، وكفّ بشار على مضض، وأخذ يردد فى أشعاره أنه ترك الغزل والنسيب نزولا على إرادة الخليفة من مثل قوله (٦):


(١) أغانى ٣/ ١٥٦ - ١٥٨.
(٢) أغانى ٣/ ١٩٠ والديوان ٢/ ٣٢٦ - ٣٣٨، ٣/ ٢٠٣.
(٣) أغانى ٣/ ١٧٤، ١٧٨، ١٨٩ والديوان ١/ ١٠٧، ١٤٠، ٢/ ٢١٩.
(٤) أغانى ٣/ ٢١٣.
(٥) ابن المعتز ص ٢١ وما بعدها.
(٦) أغانى ٣/ ٢٣٩ وانظر ص ٢٤١ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>