للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمن ألهته الدنيا، وتراكمت عليه الذنوب، أن لا يؤمل فى جنة ولا ثواب، فقد أستحق العقاب، يقول:

يا غافلا ترنو بعيى راقد ... ومشاهدا للأمر غير مشاهد

تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجى ... درك الجنان بها وفوز العابد

ونسيت أن الله أخرج آدما ... منها إلى الدّنيا بذنب واحد

لا بد للمسلم إذن أن يبادر إلى العمل الصالح وأن يجافى الذنوب والآثام حتى يكون حقّا مطيعا لربه، وهى طاعة لاتتم معرفة الله وشكر نعمه بدونها، بل لا تتم محبته محبة صحيحة إلا إذا ألحّ الإنسان فى التماسها وابتغى إليها كل وسائل العبادة متحاميا المعاصى وكل ما يجر إلى العصيان، منقطعا إلى الله متبتلا له، يقول:

تعصى الإله وأنت تظهر حبّه ... هذا محال فى القياس بديع

لو كنت تضمر حبّه لأطعته ... إن المحبّ لمن أحبّ مطيع

فى كل يوم يبتليك بنعمة ... منه وأنت لشكر ذاك مضيع

وموقف ثان هو موقف الرضا بقضاء الله، وهو موقف يملأ نفس الزاهد طمأنينة وراحة، بل تفاؤلا وأمنا، فلا يخشى شيئا، إذ لا يتمنى غير ما يحدث، وكل ما ينزل به يتقبله بنفس راضية، يقول:

قدر الله كائن ... حين يقضى وروده

قد مضى فيك علمه ... وانتهى ما يريده

وموقف ثالث هو التوكل الحق على الله والثقة به، والاعتماد عليه دون سواه من الناس، فهو الكافل والضامن، وهو الذى يقدّر ما يصيب الإنسان، ولن يستطيع الوصول إليه قبل موعده المقدور ولو طلبه بقوة السماء والأرض، وقد كفل له رزقه وضمن له حياته، فنعم الضامن الكفيل، يقول:

أتطلب رزق الله من عند غيره ... وتصبح من خوف العواقب آمنا

وترضى بعرّاف (١) ... وإن كان مشركا

ضمينا ولا ترضى بربّك ضامنا


(١) العراف: المنجم والناظر فى الغد.

<<  <  ج: ص:  >  >>