للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول:

أما عجب أن يكفل الناس بعضهم ... ببعض فيرضى بالكفيل المطالب

وقد كفل الله الوفىّ بعهده ... فلم يرض والإنسان فيه عجائب

عليم بأن الله موف بوعده ... وفى قلبه شكّ على القلب دائب

وهذا الموقف أدّاه إلى موقف رابع هو القناعة، أو بعبارة أخرى أن يقنع الإنسان بما عند الله وما ادّخره له فى يومه وغده، وأن يقلع عن الطمع وإلا أصبح ما يكفيه لا يكفيه وإن أقبلت عليه الدنيا بحذافيرها، بل إن شدة الطمع تؤدى بصاحبها إلى أن يصبح أشد ضنكا من الفقير المحتاج، والغنى الحقيقى هو غنىّ النفس القانع لا غنىّ الثراء الجشع، وفى ذلك يقول:

من كان ذا مال كثير ولم ... يقنع فذاك الموسر المعسر

وكلّ من كان قنوعا وإن ... كان مقلاّ فهو المكثر

الفقر فى النفس وفيها الغنى ... وفى غنى النفس الغنى الأكبر

ويكثر محمود من تقريع غنىّ المال فقير النفس، مصورا جشعه فى جمع الدراهم والدنانير وإلحاحه فى طلبها، واسترقاقها له، بل عبادته لها وهيامه بها الذى لا يقف عند حد، إذ فتنته عن نفسه وعن دينه وعن ربه. وكان يعجب عجبا شديدا كيف يجمع عبدة المال بينه وبين عبادة ربهم وهو قد استأثر بقاوبهم وعواطفهم وأهوائهم وملك عليهم كل شئ من أمرهم، يقول:

أظهروا للناس دينا ... وعلى الدينار داروا

وله صاموا وصلّوا ... وله حجّوا وزاروا

لو بدا فوق الثّريّا ... ولهم ريش لطاروا

ودائما يقول ألا تبّا للغنى الذى يتملك الإنسان ويستعبده، ومرحى بالفقر وعيشة الكفاف التى يعيشها الزهاد، غير ملتمسين شيئا فوق ما يسد رمقهم ويدفع الحاجة عنهم، ويكفى فقر الزهاد سموا أنك لا تجد فقيرا يعصى الله ليفتقر، بينما يفتح الثراء على

<<  <  ج: ص:  >  >>