للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحابه أبواب الحرص والطمع، بل إنهم يخوضون إليه أحيانا أبواب المعاصى ومن ورائها أبواب سقر، وفى ذلك يقول هذه الأبيات التى أنشدناها فى الفصل الرابع:

يا عائب الفقر ألا تزدجر ... عيب الغنى أكثر لو تعتبر

من شرف الفقر ومن فضله ... على الغنى إن صحّ منك النّظر

أنك تعصى كى تنال الغنى ... وليس تعصى الله كى تفتقر

وموقف خامس هو الصبر عند فواجع الزمان فإن من حسنت عقيدته استقبل الكارثة كما يستقبل النعمة ولم تذهب نفسه حسرات إزاء صروف الدهر، بل تدرّع بالصبر الجميل درع العباد الناسكين الذين خبروا الحياة وعرفوا أنها همّ تلو همّ وأن كل شئ فيها إلى فناء، يقول:

يمثّل ذو الّلبّ فى نفسه ... مصائبه قبل أن تنزلا

فإن نزلت بغتة لم ترعه ... لما كان فى نفسه مثّلا

رأى الهمّ يفضى إلى آخر ... فصيّر آخره أولا

وذو الجهل يأمن أيّامه ... وينسى مصارع من قد خلا

فإن بدهته صروف الزمان ... ببعض مصائبه أعولا

ولو قدّم الحزم فى أمره ... لعلّمه الصّبر عند البلا (١)

وموقف سادس هو اتخاذه من الشيب نذيرا للموت، وأنه إذا دبّ السواد خلال البياض كان حريّا بالإنسان أن يقلع عن غيّه ويتزود لآخرته، فقد دقت أجراس الموت وملأت الفضاء من حوله، وجدير به أن يبكى ويتفجع على نفسه، فالحياة توشك أن تنقضى ويوشك ظلّها أن ينحسر عنه إلى غير مآب، كما انحسر عن الأفراد والأمم، يقول:

بكيت لقرب الأجل ... وبعد فوات الأمل


(١) البلا: مقصور البلاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>