للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احتفظ بها الكندى. وتبدو العناية بتدوين أشعار الشعراء منذ عهد الدولة الطولونية، ونجد المريمى القاسم بن يحيى شاعر خمارويه يخص النيل بقصيدة بديعة يصور فيها مراكبه بمثل قوله (١)

ومطايا لا يغتدين ولا يس‍ ... أمن كدّ البكور بعد الرّواح (٢)

أصلها البرّ وهى ساكنة فى ال‍ ... بحر سكنى إقامة لا براح

وإذا أوقرت فذات وقار ... وإذا أخليت فذات مراح (٣)

جاريات مع الرياح وطورا ... كاسرات بالجرى جدّ الرّياح

ساريات لا يشتكين سرى اللّي‍ ... ل ولا يرتقبن ضوء الصباح

لا يخفن الغمار يقذفن فيها ... ويخفن المرور بالضّحضاح (٤)

ويطنب فى تصوير المراكب، فهى فى الماء وهى خالية تماما من الماء، وهى ذات أجنحة بيضاء وإن لم يكن لها جناح حقيقى، وهى من البيض ويطلى شطرها الأسفل بالقار، فهى بيضاء سوداء من ذوات الألواح لا الأرواح، وتقرّ على الشاطئ فتسكن دون ذلة فى السكون، وتسير على صفحة النيل وتجدّ فى سيرها دون اعتزام جماح، وكأنها على الماء قصور متحركة، وتنساب فى النيل خفيفة خفة الأفاعى، وتتجمع أحيانا فتظنها كباشا سودا تقابلت للنطاح. ومع ضؤولة ملاّحها يحسن تدبير جريها مع الرياح مكافحا فى ذلك أشد الكفاح، وله مساعدون يكثرون من الصياح حتى كأن السفن تجرى خوفا من صياحهم. وهو تصوير بديع للسفن السابحة فى النيل من شاطئ إلى شاطئ ومن مكان إلى مكان. ويوجز تميم بن المعز القول فى وصف النيل وسفنه فيقول (٥):

يوم لنا بالنيل مختصر ... ولكل يوم مسرّة قصر

والسّفن تجرى كالخيول بنا ... صعدا وجيش الماء منحدر

فكأنما أمواجه عكن ... وكأنما داراته سرر (٦)


(١) انظر مقالا عن المريمى لهلال ناجى بمجلة الكتاب العراقية فى العدد الثامن من السنة الثامنة
(٢) الرواح: الرجوع فى العشى.
(٣) أوقرت: حملت حملا ثقيلا. المراح: المرح والنشاط.
(٤) الغمار: جمع غمر وهو الماء الكثير العميق الضحضاح: الماء القليل لا عمق فيه.
(٥) ديوان تميم ص ٢٤١.
(٦) العكن: جمع عكنة وهى ما تثنى من ظاهر البطن وطياتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>