للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصورة الأخيرة للنيل بديعة، فكأن أمواجه عكن أو تثنّيات أمامية لأجساد عارية وكأنما فوّاراته أو داراته فى فيضانه السّرر أو النقر الصغيرة أو النكت فى بطون من كن يهدين إلى النيل من عرائسه. ولتميم أشعار كثيرة فى وصف الحدائق والأزهار والثمار. ومن أوصافه الطريفة قوله فى الناعورة (١):

تئنّ وليست بمحزونة ... أنين المحبّ الكئيب الحزين

فتنطق بالصوت لا من فم ... وتقذف بالدمع لا من جفون

كأن لها ميّتا فى الثّرى ... فأدمعها همّع كلّ حين (٢)

إذا زمرت أطربت نفسها ... فغنّت بمختلفات اللحون

غناء يرقّص كيزانها ... ويظهر فيهن وثب المجون

فتهوى فوارغ فى بئرها ... وتصعد منها ملاء العيون

والناعورة تئن أنين المحب اليائس الحزين وتشكو لا بفم وتبكى لا من عين، وتلحّن مختلف اللحون وكيزانها ترقص هاوية فارغة وصاعدة ممتلئة، لا تلتقى أبدا. ولظافر الحداد أشعار كثيرة فى الرياض والثمار والأزهار، ومن قوله فى النخل وبسره أو بلحه (٣):

النّخل كالهيف الحسان تزيّنت ... فلبسن من أثمارهنّ قلائدا

وكأنها فى خياله فاتنات تتزين حول جيدها بعقود البسر الزمردية والياقوتية، ويشبه طلعها الأخضر وهو لا يزال مغلقا على سنابل البلح البيضاء فى أول تكونها بسلاسل من فضة يضمها حق من خشب الصندل طيب الرائحة. أما حين يتفتح الطلع ويظهر بلحه الأخضر المتصل بسنابله الصفراء فمكاحل من زبرجد رءوسها مسّها الذهب. وأما الخوص الأخضر وتحته البلح الأحمر فزبرجد يثمر عقيقا» وكأنما الطبيعة جميعها من حول الشاعر جواهر نفيسة.

ويتغنى ظافر ببركة الحبش فى مصر القديمة وكانت تشرف عليها قصور تميم، كما يتغنى بجزيرة الروضة التى يفترق النيل عندها أمام القاهرة وسرعان ما يجتمع، ويجعلها منه هى وأختا لها بجوارها بمنزلة السراويل، ويعجب ابن قلاقس بغروب الشمس وراء النيل فيقول (٤):


(١) الديوان ص ٤٢٤.
(٢) همع: سوائل.
(٣) حسن المحاضرة ٢/ ٤٣٥.
(٤) الديوان ص ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>