للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وولد فى عصر الطوائف سنة ٤٤٠ بكار (١) بن داود المروانى، ولحق عصر المرابطين وعاش فيه فترة غير قصيرة، مولده فى شنترة من بلدان أشبونة بغربىّ الأندلس، درس فى قرطبة ثم استوطن أشبونة. ويروى ابن سعيد عن أبى عمرو بن الإمام صاحب سفط اللآلى فى أخبار شعراء عصره المتوفى بعد سنة ٥٥٠ أنه لقيه وكان غاية فى الزهد مطّرحا لنفسه واستشهد فى جهاد العدو، ويقول إنه استنشده من شعره فأنشده:

ثق بالذى سوّاك من ... عدم فإنّك من عدم

وانظر لنفسك قبل قر ... ع السّنّ من فرط النّدم

واحذر-وقيت-من الورى ... واصحبهم أعمى أصمّ

قد كنت فى تيه إلى ... أن لاح لى أهدى علم

فاقتدت نحو ضيائه ... حتى خرجت من الظّلم

وهو يقول: ضع ثقتك فى الله الذى سوّاك وخلقك من عدم، وفكر فى نفسك وما ينبغى أن تنهض به من عبادته قبل أن تعض على أصابعك نادما على ما فرطت فى جنب خالقك.

واحذر الناس واصحبهم كأنك لا تراهم ولا تسمعهم. ويقول إنه كان فى تيه ضلال وظلام حالك إلى أن لاح علم الهدى فاهتدى بضيائه. ومن الزهاد لعصر الموحدين أبو الحجاج يوسف (٢) المنصفى، من قرية المنصف من قرى بلنسية فى شرقى الأندلس، ويقول المقرى: كان صالحا وله رحلة حجّ فيها، ومال إلى علم التصوف، وله أشعار حملت عنه، منها قوله:

قالت لى النّفس: أتاك الرّدى ... وأنت فى بحر الخطايا مقيم (٣)

هلا اتخذت الزاد قلت: اقصرى ... هل يحمل الزاد لدار الكريم

فنفسه قالت له: أتاك الموت وأنت غارق فى الذنوب فهلا اتخذت زادا للمعاد؟ فقال لها إن الزاد لا يحمل لدار الجواد الكريم. ومن طريف ما قيل حينئذ فى الزهد والدعوة إلى العمل الصالح قول الفيلسوف أبى بكر بن طفيل (٤):

يا باكيا فرقة الأحباب عن شحط ... هلا بكيت فراق الروح للبدن (٥)


(١) راجع فى بكار وترجمته وشعره المغرب ١/ ٤١٥ والنفح ٣/ ٣٣٤.
(٢) انظر فى أبى الحجاج المنصفى وترجمته وشعره المغرب ٢/ ٣٥٤ والتحفة رقم ٣٧ والنفح ٣/ ٣٣٦.
(٣) الردى: الموت.
(٤) المعجب للمراكشى ص ٣١٣.
(٥) شحط: بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>