للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يسأل مالا فأعطاه معاوية ذلك وبايعه قيس والشيعة الذين معه، ثم جاء سعد بن أبي وقّاص فبايعه واستقرّ الأمر لمعاوية واتفق الجماعة على بيعته وذلك في منتصف سنة احدى وأربعين وسمّي ذلك العام عام الجماعة من أجل ذلك. ثم خرج عليه الخوارج من كل جهة من بقية أهل النهروان وغيرهم فقاتلهم واستلحمهم كما يأتي في أخبارهم على ما اشترطناه في تأليفنا من إفراد الأخبار عن الدول وأهل النحل دولة دولة وطائفة طائفة.

وهذا آخر الكلام في الخلافة الإسلامية وما كان فيها من الردّة والفتوحات والحروب ثم الاتفاق والجماعة أوردتها ملخصة عيونها ومجامعها من كتاب محمد بن جرير الطبريّ وهو تاريخه الكبير فإنه أوثق ما رأيناه في ذلك، وأبعد من المطاعن عن الشبه في كبار الأمّة من خيارهم وعدولهم عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين، فكثيرا ما يوجد في كلام المؤرخين أخبار فيها مطاعن وشبه في حقهم أكثرها من أهل الأهواء فلا ينبغي أن تسوّد بها الصحف [١] ، وأتبعتها بمفردات من غير كتاب الطبريّ بعد أن تخيرت الصحيح جهد الطاقة وإذا ذكرت شيئا في الأغلب نسبته إلى قائلة، وقد كان ينبغي أن تلحق دولة معاوية وأخباره بدول الخلفاء وأخبارهم فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة، ولا ينظر في ذلك إلى حديث الخلافة بعدي ثلاثون سنة فإنه لم يصحّ، والحق أنّ معاوية في عداد الخلفاء وإنّما أخّره المؤرخون في التأليف عنهم لأمرين:

الأوّل أنّ الخلافة لعهده كانت مغالبة لأجل ما قدّمناه من العصبية التي حدثت لعصره، وأمّا قبل ذلك كانت اختيارا واجتماع فميّزوا بين الحالتين، فكان معاوية أوّل خلفاء المغالبة والعصبيّة الذين يعبّر عنهم أهل الأهواء بالملوك، ويشبّهون بعضهم ببعض وحاشى الله أن يشبّه معاوية بأحد ممّن بعده، فهو من الخلفاء الراشدين ومن كان تلوه في الدين والفضل من الخلفاء المروانية ممن تلاه في المرتبة كذلك وكذلك من بعدهم من خلفاء بني العباس، ولا يقال إنّ الملك أدون رتبة من الخلافة فكيف يكون خليفة ملكا.

واعلم أنّ الملك الّذي يخالف بل ينافي الخلافة هو الجبروتيّة المعبر عنها بالكسرويّة التي أنكرها عمر على معاوية حين رأى ظواهرها، وأما الملك الّذي هو الغلبة والقهر بالعصبية والشوكة فلا ينافي الخلافة ولا النبوّة فقد كان سليمان بن داود وأبوه صلوات


[١] وفي نسخة اخرى: العيون.

<<  <  ج: ص:  >  >>