للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونتاجها في رماله كما تقدّم والقفر مكان الشّظف والسّغب [١] فصار لهم إلفا وعادة وربيت فيه أجيالهم حتّى تمكّنت خلقا وجبلّة فلا ينزع إليهم أحد من الأمم أن يساهمهم في حالهم ولا يأنس بهم أحد من الأجيال بل لو وجد واحد منهم السّبيل إلى الفرار من حاله وأمكنه ذلك لما تركه فيؤمن عليهم لأجل ذلك من اختلاط أنسابهم وفسادها ولا تزال بينهم محفوظة صريحة واعتبر ذلك في مضر من قريش وكنانة وثقيف وبني أسد وهذيل ومن جاورهم من خزاعة لمّا كانوا أهل شظف ومواطن غير ذات زرع ولا ضرع وبعدوا من أرياف الشّام والعراق ومعادن الأدم والحبوب كيف كانت أنسابهم صريحة محفوظة لم يدخلها اختلاط ولا عرف فيها شوب. وأمّا العرب الّذين كانوا بالتّلول وفي معادن الخصب للمراعي والعيش من حمير وكهلان مثل لخم وجذام وغسّان وطيّ وقضاعة وإياد فاختلطت أنسابهم وتداخلت شعوبهم ففي كلّ واحد من بيوتهم من الخلاف عند النّاس ما تعرف وإنّما جاءهم ذلك من قبل العجم ومخالطتهم وهم لا يعتبرون المحافظة على النّسب في بيوتهم وشعوبهم وإنّما هذا للعرب [٢] فقط. قال عمر رضى الله تعالى عنه «تعلّموا النّسب ولا تكونوا كنبط السّواد» إذا سئل أحدهم عن أصله قال من قرية كذا هذا أي ما لحق هؤلاء العرب أهل الأرياف من الازدحام مع النّاس على البلد الطّيّب والمراعي الخصيبة فكثر الاختلاط وتداخلت الأنساب وقد كان وقع في صدر الإسلام الانتماء إلى المواطن فيقال جند قنّسرين جند دمشق جند العواصم وانتقل ذلك إلى الأندلس ولم يكن لاطّراح العرب أمر النّسب وإنّما كان لاختصاصهم بالمواطن بعد الفتح حتّى عرفوا بها وصارت لهم علامة زائدة على النّسب يتميّزون بها عند أمرائهم ثمّ وقع الاختلاط في الحواضر مع العجم وغيرهم


[١] السغب: الجوع مع التعب.
[٢] بمعنى ان المحافظة على النسب محصورة في العرب سكان البادية والأرياف أو كما يعني بهم ابن خلدون (العرب المتوحشون) .

<<  <  ج: ص:  >  >>