للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واجعل مناجزة الجيوش عشيّة ... ووراءك الصّدق الّذي هو أمنع

وإذا تضايقت الجيوش بمعرك ... ضنك فأطراف الرّماح توسّع

واصدمه أوّل وهلة لا تكترث ... شيئا فإظهار النّكول يضعضع

واجعل من الطّلّاع أهل شهامة ... للصّدق فيهم شيمة لا تخدع

لا تسمع الكذّاب جاءك مرجفا ... لا رأي للكذّاب فيما يصنع

قوله واصدمه أوّل وهلة لا تكترث البيت مخالف لما عليه النّاس في أمر الحرب فقد قال عمر لأبي عبيد بن مسعود الثّقفيّ لمّا ولّاه حرب فارس والعراق فقال له اسمع وأطع من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأشركهم في الأمر ولا تجيبنّ مسرعا حتّى تتبيّن فإنّها الحرب ولا يصلح لها الرّجل المكيث [١] الّذي يعرف الفرصة والكفّ وقال له في أخرى: «إنّه لن يمنعني أن أؤمر سليطا إلّا سرعته في الحرب وفي التّسرّع في الحرب إلّا عن بيان ضياع والله لولا ذلك لأمرته لكنّ الحرب لا يصلحها إلّا الرّجل المكيث» هذا كلام عمر وهو شاهد بأنّ التّثاقل في الحرب أولى من الخفوف حتّى يتبيّن حال تلك الحرب وذلك عكس ما قاله الصّيرفيّ إلّا أن يريد أنّ الصّدم بعد البيان [٢] فله وجه والله تعالى أعلم. ولا وثوق في الحرب بالظّفر وإن حصلت أسبابه من العدّة والعديد وإنّما الظّفر فيها والغلب من قبيل البحث والاتّفاق وبيان ذلك أنّ أسباب الغلب في الأكثر مجتمعة من أمور ظاهرة وهي الجيوش ووفورها وكمال الأسلحة واستجادتها وكثرة الشّجعان وترتيب المصافّ ومنه صدق القتال وما جرى مجرى ذلك ومن أمور خفيّة وهي إمّا من خداع البشر وحيلهم في الإرجاف والتّشانيع الّتي يقع بها التّخذيل وفي التّقدّم إلى الأماكن المرتفعة ليكون الحرب من أعلى فيتوهّم المنخفض لذلك وفي الكمون في الغياض ومطمئنّ الأرض والتّواري بالكدى [٣] حول العدوّ حتّى يتداولهم العسكر


[١] المكيث: الرزين المتأني (المنجد) .
[٢] كلمة البيان ليس لها معنى في هذه الجملة ولعلها محرفة من كلمة بيات كما يقتضيه سياق المعنى.
[٣] يقال: الحافر بلغ الكدية فلا يمكنه أن يحفر، حفر فأكدى أي بلغ الصلب والكدى الأرض الصلبة. (المنجد) .

<<  <  ج: ص:  >  >>