للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعصوصبوا عليه، وتنادوا بدعوة السلطان وطاعته، فأشار عليهم أحمد القرموني أن يبعثوا إلى قائد تدلس من مشيخة بني مرين يحياتن [١] بن عمر بن عبد المؤمن الونكاسي، فاستدعوه ووصل إليهم في جملة [٢] من العسكر، وبعثوا بأخبارهم إلى السلطان وانتظروا. فلمّا بلغ الخبر إلى السلطان أمر حاجبه محمد بن أبي عمر بالنهوض إلى بجاية، فعسكر بساحة تلمسان. وانتقى له السلطان من قومه وجنوده خمسة آلاف فارس أزاح عللهم، واستوفى أعطياتهم وسرّحه فنهض من تلمسان بعد قضاء منسك الأضحى، وأغذ السير إلى بجاية، ولما نزل ببني حسن جمع له بمعسكرهم من تيكلات، وخرج إليه المشيخة والوزراء، فتقبّض على القائد هلال وأشخصه إلى السلطان ودخل البلد على التعبية، واحتلّ بقصبتها لمحرّم فاتح أربع وخمسين وسبعمائة وسكن الناس وخلع على المشيخة، واختص علي بن ألميت [٣] ومحمد بن سيّد الناس، واستظهر بهم على أمره، وتقبّض على جماعة من الغوغاء وعلى من تحت أيديهم ممن يتهم بالمداخلة في الثورة [٤] يناهزون مائتين، واعتقلهم وأركبهم السفن إلى المغرب، فودّع الناس وسكنوا وتوافت وفود الزواودة من كل جهة، فأجزل صلاتهم واقتضى الطاعة منهم [٥] . ووصل عامل الزاب يوسف، وسدّ فروجه وارتحل إلى تلمسان أوّل جمادى لشهرين من مدخله، وأغذّ السير بمن معه من العرب والوفود، وكنت يومئذ في جملتهم، وقد خلع عليّ وحملني وأجزل صلتي، وضرب لي الفساطيط، فوفدت في ركابه، وقدم تلمسان لأوّل جمادى الأخيرة، فجلس السلطان للوفد واعترض ما جنب له من الجياد والهديّة، وكان يوما مشهودا.

ثم أسنى السلطان جوائز الوفد، واختصّ يوسف بن مزني ويعقوب بن علي بمزيد من البرّ والصلة، وخصوا بجاه من الكرامة، وآمرهم في شأن إفريقية ومنازلة قسنطينة.

ورجع معهم الحاجب ابن أبي عمر على كره منه لما نذكره من أخباره، وانصرفوا إلى مواطنهم لأوّل شعبان من سنة أربع وخمسين وسبعمائة وانقلبت معه بعد


[١] وفي نسخة ثانية: يحيى.
[٢] وفي نسخة ثانية: في لمّة.
[٣] وفي نسخة ثانية: المنت.
[٤] وفي نسخة ثانية: التوثب.
[٥] وفي نسخة ثانية: واقتضى على الطاعة رهنهم. ابن خلدون م ٢٥ ج ٧

<<  <  ج: ص:  >  >>