للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاصَرَ خَيْبَرَ قَالَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ، وَكَانُوا شُبَّانًا أَحْدَاثًا: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي كَانَ عَهِدَ إِلَيْكُمْ فِيهِ ابْنُ الْهَيْبَانِ، قَالُوا: لَيْسَ بِهِ، فَنَزَلَ هَؤُلاءِ وَأَسْلَمُوا وَأَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَهَالِيهِمْ [١] .

وَبِهِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [٢] : وَكَانَتْ خَدِيجَةُ قَدْ ذَكَرَتْ لِعَمِّهَا وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ قَدْ قَرَأَ الْكُتُبَ وَتَنَصَّرَ، مَا حَدَّثَهَا مَيْسَرَةُ مِنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ وَإِظْلَالِ الْمَلَكَيْنِ، فَقَالَ: لَئِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا يَا خَدِيجَةُ إِنَّ مُحَمَّدًا لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ عَرَفَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ نَبِيًّا يُنْتَظَرُ زَمَانُهُ، قَالَ: وَجَعَلَ وَرَقَةُ يَسْتَبْطِئُ الْأَمْرَ وَيَقُولُ: حَتَّى مَتَى، وَقَالَ:

لَجِجْتُ وَكُنْتُ فِي الذِّكْرَى لَجُوجًا ... لِهَمٍّ طَالَمَا بَعَثَ النَّشِيجَا [٣]

وَوَصْفٍ مِنْ خَدِيجَةَ بَعْدَ وَصْفٍ ... فَقَدْ طَالَ انْتِظَارِيَ يَا خَدِيجَا

بِبَطْنِ الْمَكَّتَيْنِ [٤] عَلَى رَجَائِي ... حَدِيثُكِ أَنْ أَرَى مِنْهُ خُرُوجَا

بِمَا خَبَّرْتِنَا مِنْ قَوْلِ قَسٍّ ... مِنَ الرُّهْبَانِ أَكْرَهُ أَنْ يَعُوجَا

بِأَنَّ مُحَمَّدًا سَيَسُودُ قَوْمًا [٥] ... وَيَخْصِمُ مَنْ يَكُونُ لَهُ حَجِيجَا

وَيُظْهِرُ فِي الْبِلَادِ ضِيَاءَ نُورٍ ... يُقِيمُ بِهِ الْبَرِيَّةَ أَنْ تَمُوجَا

فَيَلْقَى مَنْ يُحَارِبُهُ خَسَارًا ... وَيَلْقَى مَنْ يُسَالِمُهُ فُلُوجَا

فَيَا لَيْتَنِي إِذَا مَا كان [٦] ذاكم ... شهدت فكنت أوّلهم ولوجا


[١] سيرة ابن هشام ١/ ٢٤٦، الروض الأنف ١/ ٢٤٦، نهاية الأرب ١٦/ ١٤٤، ١٤٥، عيون الأثر ١/ ٥٨، ٥٩، السيرة الحلبية ١/ ١٨٥، تاريخ الطبري ٢/ ٥٨٥، ٥٨٦.
[٢] سيرة ابن هشام ١/ ٢١٦.
[٣] البكاء.
[٤] قال السهيليّ: ثنّى مكة وهي واحدة، لأن لها بطاحا وظواهر (الروض الأنف ١/ ٢١٨) وقال القاضي الفاسي في شفاء الغرام ١/ ٨٢ (بتحقيقنا) : وأمّا تسميتها المكتان، فذكره شيخنا بالإجازة أديب الديار المصرية برهان الدين القيراطي في ديوان شعره، ثم ذكر هذا البيت.
[٥] في السيرة «فينا» بدل «قوما» .
[٦] في الأصل «كنت» ، والتصحيح من سيرة ابن هشام.