للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرأ القراءات عَلَى والده. وقدِمَ بَلَنْسِية فسمع النِّصف الْأَوَّل من «إيجاز البيان» للدّانيّ في قراءة ورش من أَبِي الحسن بن هُذيل، لم يسمع منه غير ذَلِكَ ولا أجاز لَهُ.

ورحل إلى مُرْسية فسمع من أَبِي الْقَاسِم عَبْد الرَّحْمَن بْن حُبَيْش، وأبي عَبْد اللَّه بن حَميد [١] ، وأخذَ عَنْهُمَا القراءات. وناظر في العربيّة على ابن حَميد، وقيّد عَنْهُ اللّغة. وَسَمِعَ بمالقة من أَبِي الْقَاسِم عَبْد الرَّحْمَن السُّهَيْلِيّ. وبغَرْناطة من أَبِي مُحَمَّد عَبْد المنعم بْن الفَرَس، وَأَبِي بَكْر بن أَبِي زَمَنَين. وبإشبيليّة من أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الْجَدّ، وأبي عبد الله بن زَرْقون. وَبقُرْطُبَة من أَبِي الْقَاسِم بن بَشْكَوال، وجماعة. وبسَبْتَة من أَبِي مُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّه. وبمَرّاكُش من أَبِي العَبَّاس أَحْمَد بن مَضَاء. وأجازَ لَهُ خلق، منهم: أَبُو الطّاهر إسْمَاعِيل بْن عَوْف من الإسكندرية، وَأَبُو طاهر الخُشُوعي من دمشق.

قَالَ الْأبَّار [٢] : واعتنى بالطَّلب من صغره إلى كِبَره، وَرَوَى العالي والنَّازل.

وَكَانَ إماما في هَذَا الشأن، بصيرا بِهِ، معْرُوفًا بالإتقان، حافظا لأسماء الرِّجال.

ألّف كتابا في تسمية شيوخ البخاريّ، ومسلم، وأبي داود، والنَّسَائِي، والتّرمذيّ، نزعَ فيه مَنْزع أَبِي نصر الكلاباذيّ لكن لم يُكْمله. وَكَانَ كثير الْأسفار فتفرّقت أصوله. ولو قعد للتَّصنيف لعَظُم الانتفاع بِهِ. ولم يكن في زمانه أكثر سماعا منه ومن أخيه أبي سُلَيْمَان، وَكَانَ لَهُ عَلَى أخيه الشُّفوف الواضح في عِلْم العربيّة، والتَّفنن في غير ذَلِكَ، والتّميّز بإنشاء الخُطب، وتَحْبير الرسائل، والمشاركة في قرض الشعر. أقرأ بقُرْطُبَة القرآن والنّحو، واستأدبه المنصور صاحب المغرب لبنيه فأقرأهم بمرّاكش، وحظي لديه، ونال من جهتهم وجاهة مُتَّصلة ودُنيا عريضة، وتصرّف في الخطط النَّبيهة. ووليَ قضاء إشبيلية وقرطبة ومرسية. وكان حميد السّيرة، مُحبّبًا إلى النَّاس، جَزْلًا، صَلِيبًا في الحقّ مَهِيبًا، عَلَى حِدَّةٍ فيه، ربّما أوقعته فيما يكره. وَكَانَ عالما مُقدَّمًا، خطيبا مُفوَّهًا، أخذ عنه النّاس. وتوفّي


[١] بفتح الحاء المهملة وكسر الميم.
[٢] في التكملة ٢/ ٨٨٤، ٨٨٥.