للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السّماء أعلم بالحديث من محمد بْن إِسْمَاعِيل الْبُخَارِيّ [١] .

وقال ابن عديّ: سَمِعْتُ عدّة مشايخ يحكون أنّ الْبُخَارِيّ قدِم بغداد فاجتمع أصحاب الحديث، وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا مُتُونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا لِإسناد هذا، وإسناد هذا لمتن هذا، ودفعوا إلى كلّ واحدٍ عشرة أحاديث ليُلْقوها عَلِيّ الْبُخَارِيّ فِي المجلس.

فاجتمع النّاس، وانتدبَ أحدهم فقال، وسأله عَنْ حديث من تِلْكَ العشرة، فقال: لَا أعرفه. فسأله عَنْ آخر، فقال: لَا أعرفه. حتى فرغ العشرة.

فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: الرجل فَهْم. ومَن كَانَ لَا يدري قضى عَلَيْهِ بالعجز.

ثمّ انتدبَ آخر ففعل كفِعْل الأوّل، والْبُخَارِيّ يَقُولُ لَا أعرفه. إلى أن فرغ العشرة أنفُس، وهو لَا يزيدهم عَلَى: لَا أعرفه.

فلمّا علم أنّهم قد فرغوا، التفتَ إلى الأوّل فقال: أمّا حديثك الأوّل فإسناده كذا وكذا، والثّاني كذا وكذا، والثّالث.... إلى آخر العشرة. فردّ كلَّ مَتْن إلى إسناده، وفعل بالثّاني مثل ذلك إلى أن فرغ، فأقرَّ لَهُ النّاس بالحِفْظ [٢] .

وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْمَرْوَرُوذِيُّ: كنت بجامع البصرة إذا سَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي: يَا أَهْلَ الْعِلْمِ، لَقَدْ قَدِمَ محمد بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ.

فَقَامُوا فِي طَلَبِهِ، وَكُنْتُ فِيهِمْ، فَرَأَيْتُ رَجُلا شَابًّا يُصَلِّي خلف الأصطوانة، فَلَمَّا فَرَغَ أَحْدَقُوا بِهِ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَعْقِدَ لَهُمْ مَجْلِسَ الْإِمْلَاءِ، فَأَجَابَهُمْ.

فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ اجْتَمَعَ كَذَا كَذَا أَلْفٍ، فَجَلَسَ لِلإِمْلاءِ وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ أَنَا شَابُّ، وَقَدْ سألتموني أن أحدّثكم وسأحدّثكم بِأَحَادِيثَ عَنْ أَهْلِ بَلَدِكُمْ تَسْتَفِيدُونَ الْكُلَّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَة بْنِ أبي روّاد بلدّيّكم،


[١] التقييد لابن النقطة ٣٢، وتهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١/ ٤٣١، طبقات الشافعية الكبرى ٢/ ٢١٨، مقدّمة فتح الباري ٤٨٦.
[٢] تاريخ بغداد ٢/ ٢٠، ٢١، وفيات الأعيان ٤/ ١٩٠، تهذيب الكمال ٣/ ١٧١، سير أعلام النبلاء ١٢/ ٤٠٩، طبقات الشافعية للسبكي ٢/ ٢١٨، ٢١٩، مقدّمة فتح الباري ٤٨٦، ٤٨٧، مرآة الجنان ٢/ ١٦٧، ١٦٨.