للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبين النص السابق كيف تُسوّق الماسونية نفسها داخل المجتمع الأوروبي ثم الأماكن التي تنتشر فيها؛ لأن حقيقة الماسونية أنها لم تحاول التوفيق المزعوم بقدر ما استثمرت العلم في التخلص من الدين، ولاسيّما أنه ظهر التفكير في صناعة أديان جديدة داخل أوروبا بعد الأحداث الدامية بين الكنيسة والمجتمع، وعندما كان العلم الحديث هو الأبرز حضورًا آنذاك والأكثر نجاحًا تسلقه أصحاب التوجهات الخفية والعلنية، وزعموا تقديم أديان جديدة، كما نجده مع "الماسونية" ونجده عند "الوضعية الكونتية" (١) وغيرها. وقد كانت ضمن ما يُسمّى بالدين الربوبي الذي ظهر في القرن الثاني عشر/ الثامن عشر مع دعاة التنوير، الداعي إلى الإيمان بالرب على أنه وجود مطلق غامض هو سر وجود العالم مع الكفر بالنبوات والأديان وما يتعلق بها من إثبات الغيب واليوم الآخر (٢).

وقد اتخذتها الماسونية وغيرها مطية مناسبة لإنكار الأديان -هذا إذا استثنينا علاقتها بالدين اليهودي لكون غالبية أهلها من اليهود- فهي فيما يظهر تيار ملحد لا يعترف حتى باليهودية وإن خدمت اليهود، وقد كان الشيء الوحيد الذي يقرّون به هو "مهندس الكون العظيم" (٣)، ويزعمون أن مقصودهم بالمهندس؛ أي: الرب، وشبهوه بالمهندس لإعجابهم بالهندسة وربما لذلك صلة قديمة بالفيثاغوريين الرياضيين. ولكن حتى هذا الاعتقاد لم يعد مسلمًا به حيث بدأت محافل مشهورة ترى عدم اشتراط إيمان العضو به، ثم إن تلك المحافل تشددت وطلبت منع الإيمان به، ليظهر أن غايتها هو الإلحاد (٤)، وقد وقفت منها الكنسية الكاثوليكية موقفًا شديدًا وبسبب قربها منهم فقد كشفت الكثير عنهم (٥).

والذي يعنينا أن هذا التنظيم السري كان له أثر خطير من القرن السابع عشر


(١) انظر: حول الوضعية الفصل الأول ص ٢٠٥، ٢٠٩ والثاني ص ٣٨٩ من هذا الباب.
(٢) انظر مثلًا: تاريخ الفكر الأوروبي الحديث، سترومبرج ص ١١٧ وما بعدها ترجمة د. أحمد الشيباني، وانظر: الماسونية ذلك العالم المجهول، د. صابر طعيمه ص ٣١٢.
(٣) انظر: العلمانية من منظور مختلف، د. نذير العظمة ص ٩٦ - ٩٧، وانظر: تاريخ الماسونية، جرجي زيدان ص ١٢٧.
(٤) انظر: المعطيات السابقة نفسها.
(٥) انظر: العلمانية من منظور مختلف ص ٩٧، وانظر: الماسونية ذلك العالم المجهول ص ٣٠٨ وما بعدها، وانظر: تاريخ الفكر المصري الحديث (عصر إسماعيل) ص ٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>