للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد رأينا نموذج "المدرس الماسوني" الذي يتولى التدريس في مدرسة من أهم المدارس الحديثة في البلاد الإِسلامية في تلك المرحلة، ولكن النظام العلماني سيتولى فرضه جماعة ناشطة اخترقها الماسونيون إن لم يكونوا هم من أنشأها، وهي "تركيا الفتاة" التي يُذكِّرنا اسمها قطعًا بإيطاليا الفتاة إحدى التنظيمات الماسونية البارزة في أوروبا، ثم تحولها إلى "جمعية الاتحاد والترقي" وهي التي نجحت في إسقاط نظام الخلافة، ثم نجحت فيما بعد في فرض "تعليم علماني" وإقصاء قاسٍ لكل تعليم ديني عن مسرح الحياة، بعملية تصفية دنسة قام بها أعضاء تلك الجمعية، والتي ما زال أهل تركيا، بل البلاد التي كانت تحت الحكم العثماني يعانون من آثارها إلى اليوم.

سبق في الفصل الثالث شيء من تجارب الإصلاح والتحديث مع سلاطين شباب في الدولة العثمانية في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر التي أفرزت عهد التنظيمات، ومن ثم نخبة كبيرة من أبناء التنظيمات احتكت بأوروبا أو اطلعت على التطورات الحادثة فيها، وتأثرهم بالجو العام الغربي، ولاسيّما الثورة الفرنسية ونتائجها وكذا الحركة القومية الإيطالية التي قادها "ماتزيني"، ولأنه لابد من بداية حتى وإن خفيت تفاصيلها الخلفية فهي باجتماع ستة من الشباب العثماني المثقف ليخرجوا بفكرة تكوين جمعية سرية على نمط جمعية "إيطاليا الفتاة" (١)، وكان منهم الأديب والمفكر "نامق كامل" من أسرة عريقة وذو شهرة واسعة في تلك المرحلة، عمل في الترجمة والصحافة ولاسيّما جريدة "تصوير أفكار" المشهورة، ترجم كتب رواد التنوير الفرنسي وغيرهم مثل "روسو" و"مونتسكيو" وكذا "باكون" و"فلني" و"كوندرس" (٢)، الذي ذهب فيما بعد إلى فرنسا ليكوّن مع غيره منظمة أسموها "جمعية العثمانيين الجدد" لتكون أول تنظيم "عثماني" معارض للسلطان ويدعو إلى إصلاحات جذرية لإيقاف انحطاط الدولة العثمانية (٣).

وقد كان الرمز السياسي الداعم أو القائد للعثمانيين الجدد هو "مدحت


(١) انظر: الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط، د. علي الصلابي ص ٥٠٠.
(٢) انظر: تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، جرجي زيدان ٢/ ١١٥ - ١٢١.
(٣) انظر: تاريخ الدولة العثمانية. . . . ص ٥٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>