للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانصب جهدهم حولها تعلمًا وتأليفًا وكتابة صحفية ومحاضرات ثقافية، وتحولت النظرية معهم إلى دين جديد لا علاقة له بالمفهوم العلمي ولا حتى بالنظرية العلمية، وربطوا دعوتهم ومذهبهم ووجودهم بهذه النظرية، وأشعروا من حولهم أنه لا تغير ولا تحول إلا بهذه النظرية. والعلم عندهم في المرحلة الأولى من التغريب العلموي هو المرادف لنظرية التطور الدارونية، نجده في المرحلة الأولى بارزًا عند "شبلي شميل" و"فرح أنطون"، ثم بعدهما عند "سلامة موسى"، ثم دخلت على بعض المسلمين كما نجده بارزًا عند "إسماعيل مظهر" وغيره.

أعقب هذه المرحلة الدارونية الأولى انتشار غريب لهذا التيار التغريبي واشتهر بين الحربين العالميتين "الأولى والثانية" (١)، كما أن الأحزاب الجديدة التي برزت في تلك المرحلة قد اخترقها هذا التيار بقوة، وأصبحت قوة سياسية للتغريب وأهدافه فتوسع مجال نشاطها من فكري إلى اجتماعي عام بكل أشكاله (٢)، "والذي يثير الانتباه لدى الكتاب التغريبيين -من المصريين خاصة- هذا الانقياد الكامل والاستسلام العجيب للقيم الغربية، وهذا الغياب المطلق لكل روح نقدية بإزاء هذه القيم. فلقد اشتغلت رؤوسهم ذكاء ونقدًا للمدنية العربية الإِسلامية بينما تقلص هذا الذكاء تقلصًا كاملًا بإزاء المدنية الغربية التي كانت تلاقي في عقر دارها، في الفترة نفسها، انتقادات لا ترحم. . . ." (٣). والمتأمل في حركة التغريب والباحث فيها لا يجد سببًا مقنعًا في تخصيص طائفة منهم بهذه التبعية العمياء دون غيرهم، فهم يشتركون في هذه التبعية، وما خفّ إعلانها إلا بعد النقد الإِسلامي وكشف حقيقتها.

يمكن ذكر نموذج على سبيل الاختصار هنا؛ لأن الاتجاه هو موضوع البحث في جميع الفصول، فيُعرض هنا من أجل شيء من المقارنة بين الاتجاهات الثلاثة، وسيكون المثال أحد أهم شخصيات الفكر التغريبي في بدايات تكونه وهو "شبلي شميل".


(١) انظر: أسس التقدم عند مفكري الإِسلام، د. فهمي جدعان ص ١٨٥.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٣٢٨، وانظر حول نشأة الأحزاب وعلاقاتها: مدخل لدراسة الأحزاب السياسية العربية، د. رسلان شرف الدين، الجزء الثالث منه ص ١٥٣ وما بعدها.
(٣) المرجع السابق ص ٣٣٠ - ٣٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>