للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كَانَ إِذَا قَعَدَ فِي التَّشَهُّدِ، وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَعَقَدَ ثَلاثَةً وَخَمْسِينَ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ" (١).

ثم قال ابن الصباغ وغيره: وكيفما فعل من هذه الهيئات، فقد أتى بالسُّنة؛ لأن الأخبار قد وردت بها جميعاً، وكأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يضع مرة هكذا، ومرة هكذا، وعلى الأقوال كلها فيستحب له أن يرفع مسبحته في كلمة الشهادة إذا بلغ همزة: "إلا الله"، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال: لا يرفعها.

لنا ما سبق، أنه كان يشير بالسبابة، وهل يحركها عند الرفع؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم، لما روي عن وائل -رضي الله عنه - قال: "ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أصْبَعَهُ، فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُهَا" (٢).

وأصحهما: لا؛ لما روي عن ابن الزبير -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ وَلاَ يُحَرِّكُهَا، وَلاَ يُجَاوِزُ بَصَرَهُ إِشَارَتَهُ" (٣).

وقوله في الكتاب: (ويقبض الخنصر، والبنصر والوسطى) إن أراد بالقبض هاهنا القدر الذي يشارك فيه الوسطى الخنصر، والبنصر، وهو ترك البسط والإرسال، فهذا لا خلاف فيه؛ وإن أراد أن يصنع بالوسطى ما يصنع بالخنصر، والبنصر فهذا، تنازع فيه قول التحليق فاعرفه.

وأما التعبير عن الخلاف المذكور بالأوجه فإنما اقتدى فيه بإمام الحرمين، وعامة الأصحاب حكوه أقوالاً منصوصة للشافعي -رضي الله عنه-، معزية إلى كتبه.

وقوله: "أيرسلها" هو القول الأول، و"التحليق" الثاني، والذي ذكره آخراً أحد الوجهين على القول الثالث. وقوله: (ثم يرفع) معلم بالحاء.

وقوله: (عند قوله إلا الله) يجوز أن يعلم بالواو؛ لأن أبا القاسم الكرخي حكى وجهين في كيفية الإشارة بالمسبحة:

أصحهما: أنه يشير بها وقت التَّشَهُّد، وهو الذي ذكره الجمهور.

والثاني: أنه يُشِيرُ بها في جميع التَّشَهُّدِ.


(١) أخرجه مسلم (٥٨٠).
(٢) أخرجه ابن خزيمة (٧١٤) وابن الجارود (٢٠٨) وابن حبان (١٨٥١) والنسائي (٢/ ١٢٦) وأحمد (٤/ ٣١٨)، والدارمي (١٣٦٣). والبيهقي (٢/ ١٣٢) بإسناد صحيح.
(٣) أخرجه أبو داود (٩٧٤) وأحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه، وأصله في مسلم دون قوله: "ولا يجاوز بصره إشارته" انظر التلخيص (١/ ٢٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>