للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما- وهو المذهب في "تعليق" البندنيجي، والأصح في "المهذب" و"المجموع" للمحاملي و"تعليق" القاضي أبي الطيب، وكلام ابن الصباغ يدل على ترجيحه -: أنه لا يحنث؛ لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَاتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥]؛ فكان رفع الخطأ موجباً لإسقاط الكفارة عن الخاطئ، ولما روى ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأمتي عن الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"؛ فكان حكم الأيمان داخلاً في عموم هذا التجاوز.

والثاني: أنه يحنث، وبه كان يفتي بعض علماء عصرنا في الناسي؛ لقوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩]؛ فكان عقدها موجباً للمؤاخذة بالكفارة على عموم الأحوال: من عمد وخطا، وعلم وجهل. ولأن الكفارة تطهير؛ فأشبهت طهارة الحدث؛ فإذا استوى حكم الحدث في العمد والخطأ والنسيان والذكر وجب أن يستوي حكم الحنث في ذلك.

والقائلون بالأول قالوا: في الآية إضمار، وهو: إذا عقدتم الأيمان وحنثتم، ولا يسلم الحنث.

وفي "الرافعي" حكاية طريقة في الناسي: أنه يحنث، وأن الجاهل قد يرتب على الناسي عند إجراء الخلاف فيه، وأولى بأن يحنث؛ لأن الجاهل الغالط في غروب الشمس يفطر، والناسي لا يفطرن وهذا ما ذهب إليه الإمام.

وحكى الماوردي أن شيخه أبا القاسم الصيمري قال له: ما أفتيت في يمين الناسي بشيء قط.

وحكى عن شيخه أبي الفياض أنه لم يفت فيها بشيء قط، وأنه اقتدى بها، ولا السلف، ولم يفت بها بشيء، لأن استعمال التوقي أحوط من فرطات الإقدام.

ولا فرق في جريان القولين بين اليمين بالله – تعالى – وبين اليمين بالطلاق وغيرهن وقد حكينا في كتاب الطلاق خلاف القفال في ذلك.

قال: وإن أُدخل على ظهر إنسان باختياره حنث؛ كما لو دخل على دابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>