وإذا تأملت ما بسطناه واختصرته، قلت: في سماع البينة والقضاء في الأعيان المنقولة ثلاثة أقوال، ثالثها: تسمع ولا يقضي بها؛ وهذه طريقة عامة الأصحاب في جميع المنقولات؛ كما قاله الرافعي.
وعلى الثالث منها: ما فائدة السماع؟ فيه قولان:
أحدهما: الإقدام على بيع العين المدعى بها من المدعي، وتسليم العين له مع تبقية الثمن في ذمته؛ اعتماداً على الكفالة به؛ على رأي، أو ببدن المدعي على رأي.
والثاني: تسلطه على نقلها إلى بلد الشهود على رغم من هي في يده، إما ببذل قيمتها؛ للحيلولة على رأي، أو بكفالة شخص على رأي.
ووراء ما عليه كافة الأصحاب طريقان:
إحداهما: طريقة الماوردي، وهي أن الحكم بالشهادة على ما ينقل من الأعيان: كالعبد، والدابة، والثوب- قولان، أصحهما: عدم الحكم.
وخرج ابن سريج وجهاً ثالثاً، فقال: إن كان العبد المدعي في غيبته يختص بوصف يندر وجوده في غيره: كشامة في موضع من جسده، أو أصبع زائدة في موضع من يده، أو كان مشهوراً من عبيد السلطان لا يشركه غيره في اسمه ومنزلته وصفته- جاز الحكم بشهادتهم مع غيبته.
وإن شابه عموم الناس في صفته ونعته؛ لم يحكم فيه بالشهادة إلا مع التعيين والإشارة.
قال: ولهذا التخريج وجه، لكنه نادر، وإطلاق القول يكون على الأعم الأغلب.
فإذا قيل بعدم الحكم في الغيبة؛ ففي سماع الشهادة قولان:
فإن قلنا بالسماع، كتب به إلى قاضي البلد الذي فيه المطلوب، فإذا وصل الكتاب إليه، لم يحكم بالعبد إلا أن يعينه الشهود.
قال الشافعي: ويستفاد بهذه الشهادة وإن لم يقع الحكم بها إلا مع التعيين من الجهتين: ألا يتكلف الثاني الكشف عن عدالتهم، ولا يتكلف الشهود إعادة شهادتهم، وإنما يقتصرون على الإشارة بالتعيين، فيقولون: هذا هو العبد الذي