للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فإن أقام المدعي بينة، قضى له، أي: ولو بعد حلف المدعى عليه.

فإن قيل: ما الحكمة في تقديم البينة على اليمين مع أن كلاً منهما حجة؟

قيل: لأن اليمين حجة من جهة الخصم، وهي قول واحد، والبينة حجة من غير جهة الخصم، وهي قول اثنين؛ فكانت أبعد من التهمة.

ولأن البينة مستقلة بنفسها، واليمين لا تستقل بنفسها [وتحتاج] إلى سبب آخر، وهو براءة الذمة في مسألتنا، واليد عند دعوى العين.

قال: وإن [كان] المدعى عيناً، ولا بينة له، فإن كان في يد أحدهما، فالقول قوله مع يمينه؛ لما روى أبو داود عن علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي عن أبيه، قال: "جَاءَ رَجُلُ مِنْ حَضْرَمَوْتَ، وَرَجُلُ مِنْ كِنْدَةَ إِلَىِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ الحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ لأَبِي، فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا، لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْحَضْرَمِيِّ: أَلَكَ بَيِّنَةُ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ، فَلَكَ يَمِينُهُ، فَقَالَ: يَا َرسُوْلَ اللهِ، إِنَّهُ فَاجِرُ، لَيْسَ يُبَالِي مَا حَلَفَ، لَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيءٍ، فَقَالَ: لَيْسَ [لَكَ] إِلَّا ذَلِكَ"، أخرجه مسلم وغيره.

وروى أبو داود عن الأشعث- وهو ابن قيس- قال: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ أَرْضُ، فَجَحَدَنِي، فَقَدِمْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَلَكَ بَيِّنَةُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ لِلْيَهُوْدِيِّ: احْلِفْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذَنْ يَحْلِفُ، وَيَذْهَبُ بِمَالِي؛ فَأَنْزَلَ اللهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ} إلى آخر الآية [آل عمران: ٧٧]. وقد أخرجه مسلم بنحوه، والبخاري أتم منه.

فرع: لو أراد المدعى [عليه] في هذه الحالة أن يقيم بينة على أن الملك له؛ ليتوقى عن اليمين، فهل تسمع؟ قال الأصحاب: ذلك ينبني على أنه لو أراد إقامة البينة على أن الملك له قبل أن يدعى عليه، هل تسمع؟ وفيها خلاف، حكاه الماوردي

<<  <  ج: ص:  >  >>