للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقضية ما قاله الأصحاب: أن يكون ما شهد به الأول غير ما شهد به الثاني، وأن لا تلفيق.

وقد صرح في "الزوائد" في كتاب الشهادات بأنه لو حدثت ثمرة بين الشهادتين، كانت للمدعي [عليه]، لكن قد حكينا عن القاضي في باب صفة القضاء عند الكلام في طلب الحبس حتى تزكي البينة ما يدفعه؛ فاطلبه [من] ثم، والله أعلم.

الثاني: قال الأصحاب: من اشترى عيناً من الأعيان، وتمادى الزمان سنين، ثم جاء مدع، وادعاها في يد المشتري، وانتزعها منه ببينة شهدت له بملكها من غير بيان سبب الملك- كان للمشتري أن يرجع على بائعه بالثمن.

قال القاضي الحسين: وهذا مع ما ذكروه لا يجتمع؛ لأن شهادة البينة لا تتضمن إسناد ملك المدعي- كما قالوا- إلى زمان يوصف بأن يشار إليه، بل لا يقتضي إلا ملك الحال وتقديراً في التقدم؛ فكيف يملك المشتري الرجوع على البائع مع إمكان ثبوت ملك المنتزع للعين؛ تلقياً من هذا المشتري؟ وهذا ضمنه الغزالي قوله: "وعجب أن يترك في يده نتاج حصل قبل البينة وبعد الشراء، ثم هو يرجع على البائع! ".

ثم قال القاضي: ويحتمل أن نقول: لا يرجع المشتري بالثمن على البائع- والحالة كما وصفنا- بناء على ذلك، إلا أن تسند البينة الاستحقاق إلى حالة العقد؛ فإذ ذاك يثبت أن البيع صادف مستحقاً.

قال الإمام: وما ذكره القاضي لا دفع له من طريق القياس، لكنه قال: أجمع الأصحاب من عند آخرهم على خلاف ما ذكرته، وقد رأيته في "تعليقه"، والممكن في توجيه ما ذكره الأصحاب: أن يقال: البينة الشاهدة للمدعي بالملك لا يظن بها إلا الصدق، والأصل عدم نقل الملك من المشتري، مع أنه لا يمكنه أن يثبت عدم [تصرف] نفسه؛ فاكتفينا في حقه بعدم تحقق النقل من جهته وإن كان محتملاً؛ لأجل الوثوق بالعهدة، كما أن الشرع صحح ضمان العهدة خارجاً عن القياس؛ لأجل ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>