للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلنا بالأول، عفي عنه أيضاً؛ إذ الاحتراز عما يتعذر عن القليل يتعذر عن الكثير. وإن قلنا بالثاني فلا يعفى عنه.

والخلاف جار فيما لو أصابه القليل من دم البثرات بتعاطيه؛ بأن فجرها كما حكاه المتولي وأبداه الإمام احتمالاً لنفسه، واستشهد على العفو عنه بما روي أن ابن عمر حَكَّ بثرة من وجهه، فخرج منها شيءٌ، فدلكه بين إصبعيه، وصلى.

ولو كان الخارج كثيراً لم يعف عنه وجهاً واحداً، كما قلنا في قتل البرغوث، بل قياس ما تقدم في ذلك عن القاضي الحسين يقتضي قطعه فيما إذا كان الخارج من البثرة قليلاً بفعله: أنه لا يعفى عنه، وأثر ابن عمر قد قال الإمام: لا يبعد أن يقال: لعله جرت يده بذلك في غفلةٍ، وقد تطوف اليد على البدن في النوم وأوقات الغفلات.

قلت: ولعل الخارج منها ما لا رائحة له، والمذهب أنه طاهر، كما سنذكره.

قال القاضي الحسين: ولو أصابه شيءٌ من دم غيره: [فإن كان قدر ما لا يعفى عنه إذا كان من دم نفسه، فمن دم غيره] أولى، وإن كان مما يعفى عنه من دم نفسه، فهل يعفى عنه من دم غيره؟ فيه وجهان، وهذا يقتضي أني كون فيما إذا أصابه من دم غيره شيءٌ كثير: أنه يعفى عنه على وجه؛ [لأنه] يعفى عنه من دم نفسه على وجه لا يعرفه العراقيون، وكلام الإمام وغيره مصرح بأنه لا يعفى عن الكثير من دم غيره، وهل يعفى عن اليسير منه؟ فيه وجهان:

أصحهما عند الغزالي: المنع، وقال الإمام: إنه الذي يجب القطع به.

والأظهر عند البغوي [والعراقيين- كما قال الرافعي]-: العفو كما [يعفى] عن ذلك من دم نفسه، وهو مما لا خلاف فيه عندهم، ولم يَحْكِ الرافعي غيره.

نعم: قال الشيخ أبو محمد: لطخات الدماميل والقرح التي لا تدوم غالباً ملحقة بدم الأجنبي.

قال الإمام: وهو ظاهر حسن؛ من جهة أن البثرات إذا كانت تكثر- وقد لا يخلو

<<  <  ج: ص:  >  >>