للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٧ - ثم انظر إلى النواحي التي أوثر فيها الإجمال على التفصيل، إعراضًا عن كل زيادة لا تمس إليها حاجة البيان في الحال، فقد قال: إن القرآن مصدق لما معهم، ولم يبين مدى هذا التصديق: أفي أصول الدين فحسب، أم في الأصول والفروع جميعًا، أم في الأصول وبعض الفروع، وإلى أي حد؟ ذلك أن هذا كلام الملوك لا يتنزل إلا بقدر معلوم. وماذا يعني الداعي إلى أصل الإيمان أن يمتد التطابق بين الأديان إلى فروعها أو لا يمتد؟ فليبحث علماء التشريع!

وقال: إنهم يقتلون أنبياء الله، فمن هم أولئك الأنبياء؟ .. ليبحث علماء التاريخ!

وقال: إنَّ موسى جاءهم بالبينات، فكم هي؟ وما هي؟

وقال: إنه أخذ عليهم ميثاقهم، فعلى أيِّ شيء كان الميثاق؟

إن حكمة البيان القرآني لأجلُّ مِنْ أن تعرض لهذه التفاصيل في مثل هذا الموضع، ولو ذكرت ها هنا لكان مثلها مثل من يسأل: لم ضربت عبدك؟ فيقول: لأنَّه ضرب غلامًا اسمه كذا واسم أبيه كذا وحليته كذا، وولد في عام كذا، ألا ترى أن هذا زائد وكثير (١).

٨ - ولو ذهبنا نتتَّبع سائر ما في هذه القطعة من اللطائف لخرجنا عن حد التمثيل والتنبيه الذي قصدنا إليه.

فلنكتفِ بتوجيه نظرك فيها إلى سر دقيق لا تراه في كلام الناس، ذلك أنَّ المرء إذا أهمه أمر من الدفاع أو الإقناع أو غيرهما بدت على كلامه مَسحة الانفعال بأغراضه، وكان تأثيره بها في نفسك على قدر تأثره هو؛ طبعَا أو تطبعًا،


(١) ومن هنا عيب على امرئ القيس تفصيله في غير موضع التفصيل، وذلك فيما هو معدود من أجود شعره، قوله:
قِفا نبكِ، من ذِكرى حبيبٍ، ومنزلِ … بسِقطِ اللّوى بينَ الدَّخولِ، فَحَوْمَلِ
فتُوضِحَ فالْمِقراةِ …
لم يقنع في وصف المنزل بقوله: (بسقط اللوى) حتى حده بحدود أربعة.
قال الباقلاني: «كأنه يريد بيع المنزل، فيخشى إن أخل بحد منه أن يكون بيعه فاسدًا أو شرطه باطلًا!»، [إعجاز القرآن: (٢٢١)].

<<  <   >  >>