للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعسِرِينَ، فيزدادونَ عُسْرًا حتى يُفلِسوا، ثمَّ بيَّن اللهُ فضلَ إنظارِ المُعْسِرِ ورغَّبَ فيه بِلا زيادةٍ في الوفاءِ، والإنظارُ يكونُ في الرِّبا برأسِ مالِه، وفي الدَّيْنِ، لا في الأماناتِ؛ كما قالَه ابنُ عبَّاسٍ وعطاءٌ؛ لأنَّ الأماناتِ حقوقٌ وجَبَ أنْ تُرَدَّ؛ إذ ليس للمُؤتَمَنِ كاملُ التصرُّفِ في الأماناتِ، بخلاف الدَّيْنِ فله التصرُّفُ فيه، والأمانةُ تُرَدُّ بعينِها، بخلافِ الدَّيْنِ يُرَدُّ بمِثْلِهِ.

ومِن السلفِ: مَن خصَّ الإنظارَ بالرِّبا في الآيةِ، وفي التخصيصِ نظرٌ؛ لأنَّ الرِّبا بعدَ آيةِ تحريمِهِ صار دَيْنًا: {فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: ٢٧٩]، ورأسُ المالِ دَيْنٌ.

ولا يصحُّ سببٌ في نزولِ الآيةِ، وما رواهُ ابنُ سعدِ والحاكمُ (١) وغيرُهُما: أنَّ الدائنَ يجوزُ له بَيْعُ المَدِينِ المُعْسِرِ الحُرِّ لِيَستَوْفِيَ دَيْنَهُ مِن ثمنِهِ، ثمَّ نسَخَ اللهُ ذلك بهذِهِ الآيةِ؛ فقد رواهُ زَيْدُ بنُ أسلَمَ، عن ابن البَيْلَمانيِّ، وابنُ البَيلمانيِّ لا يُحتجُّ بحديثِه.

التعامُلُ مع المعسر في الدَّيْنِ:

ولا يجوزُ حَبْسُ المُعْسِرِ ثابتِ الإعسارِ؛ لأنَّ اللهَ أرشَدَ إلى إنظارِهِ لا إلى حَبْسِه؛ قال سعيدُ بن جُبَيْرٍ: "مَن حبَسَ مُعْسِرًا في السجنِ، فهو آثِمٌ؛ لأنَّ اللهَ يقولُ: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (٢).

ولأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لغُرماءِ الرجلِ الذي كَثُرَ دَيْنُهُ لمَّا كان مُعسِرًا: (خُذُوا مَا وَجَدتُّمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذلك) (٣).

ولو كان لهم حقٌّ في حَبْسِهِ، لَحَبَسَهُ؛ لأنَّ الحقوقَ لا يُسقِطُها إلا أصحابُها، فلما بان إعسارُ الرجلِ، لم يَجْعَلْ لهم غيرَ ما ظهَرَ مِن مالِه.


(١) "مستدرك الحاكم" (٤/ ١٠١)، و"الطبقات الكبرى" لابن سعد (٧/ ٥٠٤).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٥٥٣).
(٣) أخرجه مسلم (١٥٥٦) (٣/ ١١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>