للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ ثَوْبًا فَبَاعَهُ الْغَاصِبُ مِنْ رَجُلٍ فَلَبِسَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ الْمَغْصُوبُ أَخَذَهُ، وَكَانَ لَهُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ يَوْمَ اغْتَصَبَهُ، وَبَيْنَ قِيمَتِهِ الَّتِي نَقَصَهُ إيَّاهَا اللُّبْسُ كَانَ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ عَشْرَةً فَنَقَصَهُ اللُّبْسُ خَمْسَةً فَيَأْخُذُ ثَوْبَهُ وَخَمْسَةً وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي تَضْمِينِ اللَّابِسِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْغَاصِبِ فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى اللَّابِسِ.

وَهَكَذَا إنْ غَصَبَ دَابَّةً فَرُكِبَتْ حَتَّى أُنْضِيَتْ كَانَتْ لَهُ دَابَّتُهُ وَمَا نَقَصَتْ عَنْ حَالِهَا حِينَ غَصَبَهَا، وَلَسْت أَنْظُرُ فِي الْقِيمَةِ إلَى تَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى تَغَيُّرِ بَدَنِ الْمَغْصُوبِ.

فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ رَجُلًا عَبْدًا صَحِيحًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِينَارٍ فَمَرِضَ فَاسْتَحَقَّهُ وَقِيمَتُهُ مَرِيضًا خَمْسُونَ أَخَذَ عَبْدَهُ وَخَمْسِينَ، وَلَوْ كَانَ الرَّقِيقُ يَوْمَ أَخَذَهُ أَغْلَى مِنْهُمْ يَوْمَ غَصَبَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ غَصَبَهُ صَبِيًّا مَوْلُودًا قِيمَتُهُ دِينَارٌ يَوْمَ غَصَبَهُ فَشَبَّ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَشُلَّ أَوْ اعْوَرَّ وَغَلَا الرَّقِيقُ أَوْ لَمْ يَغْلُ فَكَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ اسْتَحَقَّهُ عِشْرِينَ دِينَارًا أَخَذَهُ وَقَوَّمْنَاهُ صَحِيحًا، وَأَشَلَّ أَوْ أَعْوَرَ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ عَلَى الْغَاصِبِ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا، وَأَشَلَّ أَوْ أَعْوَرَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ صَحِيحًا فَمَا حَدَثَ بِهِ مِنْ عَيْبٍ يُنْقِصُهُ فِي بَدَنِهِ كَانَ ضَامِنًا لَهُ.

وَهَكَذَا لَوْ غَصَبَهُ ثَوْبًا جَدِيدًا قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصَبَهُ عَشَرَةٌ فَلَبِسَهُ حَتَّى أَخْلَقَ وَغَلَتْ الثِّيَابُ فَصَارَ يُسَاوِي عِشْرِينَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَيُقَوَّمُ الثَّوْبُ جَدِيدًا وَخَلَقًا ثُمَّ أُعْطِيَ فَضْلَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ. قَالَ: وَلَوْ غَصَبَهُ جَدِيدًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ ثُمَّ رَدَّهُ جَدِيدًا قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ لِرُخْصِ الثِّيَابِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ رَدَّهُ كَمَا أَخَذَهُ فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ بِأَنْ يَقُولَ قَدْ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ اغْتَصَبَهُ فَالْقِيمَةُ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً أَبَدًا إلَّا لِفَائِتٍ وَالثَّوْبُ إذَا كَانَ مَوْجُودًا بِحَالِهِ غَيْرَ فَائِتٍ وَإِنَّمَا تَصِيرُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ بِالْفَوْتِ، وَلَوْ كَانَ حِينَ غَصَبَ كَانَ ضَامِنًا لِقِيمَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ أَخْذُ ثَوْبِهِ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ، وَلَا عَلَيْهِ أَخْذُ ثَوْبِهِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ سَوَاءً أَوْ كَانَ أَقَلَّ قِيمَةً.

قَالَ: وَإِذَا غَصَبَ الْجَارِيَةَ فَأَصَابَهَا عَيْبٌ مِنْ السَّمَاءِ أَوْ بِجِنَايَةِ أَحَدٍ فَسَوَاءٌ، وَسَوَاءٌ أَصَابَهَا ذَلِكَ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَوْ الْمُشْتَرِي يَسْلُكُ بِمَا أَصَابَهَا مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي مِنْ السَّمَاءِ مَا سَلَكَ بِهَا فِي الْعُيُوبِ الَّتِي يَجْنِي عَلَيْهَا الْآدَمِيُّونَ. قَالَ: وَإِذَا غَصَبَ الرَّجُلُ جَارِيَةً فَبَاعَهَا مِنْ آخَرَ فَحَدَثَ بِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ ثُمَّ جَاءَ الْمَغْصُوبُ فَاسْتَحَقَّهَا أَخَذَهَا وَكَانَ بِالْخِيَارِ فِي أَخْذِ مَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ مِنْ الْغَاصِبِ فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ وَلِرَبِّ الْجَارِيَةِ أَنْ يَأْخُذَ مَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ الْحَادِثُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ وَبِثَمَنِهَا الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ مَا اشْتَرَى وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ السَّمَاءِ أَوْ بِجِنَايَةِ آدَمِيٍّ.

قَالَ: وَإِذَا غَصَبَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ دَابَّةً فَاسْتَغَلَّهَا أَوْ لَمْ يَسْتَغِلَّهَا وَلِمِثْلِهَا غَلَّةٌ أَوْ دَارًا فَسَكَنَهَا أَوْ أَكْرَاهَا أَوْ لَمْ يَسْكُنْهَا، وَلَمْ يُكْرِهَا وَلِمِثْلِهَا كِرَاءٌ أَوْ شَيْئًا مَا كَانَ مِمَّا لَهُ غَلَّةٌ اسْتَغَلَّهُ أَوْ لَمْ يَسْتَغِلَّهُ انْتَفَعَ بِهِ أَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهِ مِنْ حِينِ أَخَذَهُ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ أَكْرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ كِرَاءِ مِثْلِهِ فَالْمَغْصُوبُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ الْكِرَاءَ؛ لِأَنَّهُ كِرَاءُ مَالِهِ أَوْ يَأْخُذَ كِرَاءَ مِثْلِهِ، وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ غَلَّةٌ بِضَمَانٍ إلَّا لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَضَى بِهَا لِلْمَالِكِ الَّذِي كَانَ أَخَذَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ وَاَلَّذِي كَانَ إنْ مَاتَ الْمُغِلُّ مَاتَ مِنْ مَالِهِ. وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَحْبِسَ الْمُغِلَّ حَبَسَهُ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ رَدَّهُ، فَأَمَّا الْغَاصِبُ فَهُوَ ضِدُّ الْمُشْتَرِي. الْغَاصِبُ أَخَذَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ حَبْسُ مَا فِي يَدَيْهِ، وَلَوْ تَلِفَ الْمُغَلُّ كَانَ الْغَاصِبُ لَهُ ضَامِنًا حَتَّى يُؤَدِّيَ قِيمَتَهُ إلَى الَّذِي غَصَبَهُ إيَّاهُ، وَلَا يُطْرَحُ الضَّمَانُ لَهُ لَوْ تَلِفَ قِيمَةُ الْغَلَّةِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ أَنْ يُتْلِفَ.

وَلَا يَجُوزُ إلَّا هَذَا الْقَوْلُ أَوْ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدَنَا - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ زَعَمَ أَنَّهُ إذَا سَكَنَ أَوْ اسْتَغَلَّ أَوْ حَبَسَ فَالْغَلَّةُ وَالسَّكَنُ لَهُ بِالضَّمَانِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ إلَى الْقِيَاسِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْت فَأَمَّا أَنْ يَزْعُمَ زَاعِمٌ أَنَّهُ إنْ أَخَذَ غَلَّةً أَوْ سَكَنَ رَدَّ الْغَلَّةَ وَقِيمَةَ السُّكْنَى، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>