للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خَارِجٌ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ لَا هُوَ جَعَلَ ذَلِكَ لَهُ بِالضَّمَانِ، وَلَا هُوَ جَعَلَ ذَلِكَ لِلْمَالِكِ إذَا كَانَ الْمَالِكُ مَغْصُوبًا.

(قَالَ الرَّبِيعُ): مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا كِرَاءَ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ كِرَاءَهُ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا عَلَى الَّذِي سَكَنَ إذَا اسْتَحَقَّ الدَّارَ رَبُّهَا كِرَاءُ مِثْلِهَا، وَلَيْسَ لَهُ خِيَارٌ فِي أَنْ يَأْخُذَ الْكِرَاءَ الَّذِي أَكْرَاهَا بِهِ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ الْكِرَاءَ مَفْسُوخٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ اغْتَصَبَهُ أَرْضًا فَغَرَسَهَا نَخْلًا أَوْ أُصُولًا أَوْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً أَوْ شَقَّ فِيهَا أَنْهَارًا كَانَ عَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الْأَرْضِ بِالْحَالِ الَّذِي اغْتَصَبَهُ إيَّاهَا وَكَانَ عَلَى الْبَانِي وَالْغَارِسِ أَنْ يَقْلَعَ بِنَاءَهُ وَغَرْسَهُ فَإِذَا قَلَعَهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ الْقَلْعُ الْأَرْضَ حَتَّى يَرُدَّ إلَيْهِ الْأَرْضَ بِحَالِهَا حِينَ أَخَذَهَا وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ بِمَا نَقَصَهَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي النَّهْرِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ أَحْدَثَهُ فِيهَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُثْبِتَ فِيهَا عِرْقًا ظَالِمًا وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ»، وَلَا يَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَمْلِكَ مَالَ الْغَاصِبِ، وَلَمْ يَمْلِكْهُ إيَّاهُ كَانَ مَا يَقْلَعُ الْغَاصِبُ مِنْهُ يَنْفَعُهُ أَوْ لَا يَنْفَعُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ مَنْعُ قَلِيلِ مَالِهِ كَمَا لَهُ مَنْعُ كَثِيرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا كَانَ لَهُ دَفْنُهَا وَإِنْ لَمْ يَنْفَعْهُ الدَّفْنُ وَكَذَلِكَ لَوْ غَصَبَهُ دَارًا فَزَوَّقَهَا كَانَ لَهُ قَلْعُ التَّزْوِيقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَنْفَعُهُ قَلْعُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ نَقَلَ عَنْهَا تُرَابًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا نَقَلَ عَنْهَا حَتَّى يُوَفِّيَهُ إيَّاهَا بِالْحَالِ الَّتِي غَصَبَهُ إيَّاهَا عَلَيْهَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَغْصُوبُ كَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَغْصُوبِ أَنْ يُبْطِلَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ.

فَإِنْ تَأَوَّلَ رَجُلٌ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فَهَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ لَا يَحْتَمِلُ لِرَجُلٍ شَيْئًا إلَّا احْتَمَلَ عَلَيْهِ خِلَافَهُ، وَوَجْهُهُ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ: أَنْ لَا ضَرَرَ فِي أَنْ لَا يَحْمِلَ عَلَى رَجُلٍ فِي مَالِهِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَلَا ضِرَارَ فِي أَنْ يَمْنَعَ رَجُلٌ مِنْ مَالِهِ ضَرَرًا وَلِكُلٍّ مَا لَهُ وَعَلَيْهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: بَلْ أَحْدَثَ لِلنَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ حُكْمًا عَلَى النَّظَرِ لَهُمْ، وَأَمْنَعَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ عَلَى النَّظَرِ لَهُمْ قِيلَ لَهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - أَرَأَيْت رَجُلًا لَهُ بَيْتٌ يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ فِي ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فِي دَارِ رَجُلٍ لَهُ مَقْدِرَةٌ أَعْطَاهُ بِهِ مَا شَاءَ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ وَقِيمَةُ الْبَيْتِ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ، وَأَعْطَاهُ مَكَانَهُ دَارًا مَعَ الْمَالِ أَوْ رَقِيقًا هَلْ يُجْبَرُ عَلَى النَّظَرِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ هَذَا الْكَثِيرَ بِهَذَا الْقَلِيلِ؟ أَوْ رَأَيْت رَجُلًا لَهُ قِطْعَةُ أَرْضٍ بَيْنَ أَرَاضِي رَجُلٍ لَا تُسَاوِي الْقِطْعَةَ دِرْهَمًا فَسَأَلَهُ الرَّجُلُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهَا مَمَرًّا بِمَا شَاءَ مِنْ الدُّنْيَا هَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ مَا لَا يَنْفَعُهُ بِمَا فِيهِ غِنَاهُ؟ أَوْ رَأَيْت رَجُلًا صِنَاعَتُهُ الْخِيَاطَةُ فَحَلَفَ رَجُلٌ أَنْ لَا يَسْتَخِيطَ غَيْرَهُ وَمَنَعَهُ هُوَ أَنْ يَخِيطَ لَهُ فَأَعْطَاهُ عَلَى مَا الْإِجَارَةُ فِيهِ دِرْهَمٌ مِائَةَ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ أَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَخِيطَ لَهُ؟.

أَوْ رَأَيْت رَجُلًا عِنْدَهُ أَمَةٌ عَمْيَاءُ لَا تَنْفَعُهُ أَعْطَاهُ بِهَا ابْنٌ لَهَا بَيْتَ مَالٍ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا؟ فَإِنْ قَالَ لَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ عَلَى النَّظَرِ لَهُ. قُلْنَا: وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَقُولُ إنَّمَا فَعَلْت هَذَا إضْرَارًا بِنَفْسِي وَإِضْرَارًا لِلطَّالِبِ إلَيَّ حَتَّى أَكُونَ جَمَعْت الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ قَالَ، وَإِنْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ وَضَارَّ غَيْرَهُ فَإِنَّمَا فَعَلَ فِي مَالِهِ مَا لَهُ أَنْ يَفْعَلَ. قِيلَ: وَكَذَلِكَ حَافِرُ الْبِئْرِ فِي أَرْضِ الرَّجُلِ وَالْمُزَوِّقُ جِدَارَ الرَّجُلِ وَنَاقِلُ التُّرَابِ إلَى أَرْضِ الرَّجُلِ إنَّمَا فَعَلَ مَا لَهُ أَنْ يَفْعَلَ وَمَنَعَ مَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ مَالِهِ.

فَإِنْ كَانَ فِي رَدِّ التُّرَابِ وَدَفْنِ الْبِئْرِ مَا يَشْغَلُ الْأَرْضَ عَنْ رَبِّهَا حَتَّى يَمْنَعَهُ مَنْفَعَةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، قِيلَ لِلَّذِي يُرِيدُ رَدَّ التُّرَابِ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ تَرُدَّهُ وَيَكُونَ عَلَيْك كِرَاءُ الْأَرْضِ بِقَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي حَبَسْتهَا عَنْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ تَدَعَهُ، وَقِيلَ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي الْبِئْرِ لَك الْخِيَارُ فِي أَنْ تَأْخُذَ حَافِرَ الْبِئْرِ بِدَفْنِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَا شَيْءَ لَك عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَوْضِعِهَا مَنْفَعَةٌ حَتَّى تَكُونَ مَدْفُونَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ لِمَوْضِعِهَا لَوْ كَانَتْ مُسْتَوِيَةً مَنْفَعَةٌ فِيمَا بُيِّنَ أَنَّ حُكْمَنَا لَك بِهَا إلَى أَنْ يَدْفِنَهَا فَيَكُونَ لَك أَجْرُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ عَنْك شَيْئًا مِنْ أَرْضِك.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ نَقَلَ مِنْ أَرْضِ الْمَغْصُوبِ تُرَابًا كَانَ مَنْفَعَةً لِلْأَرْضِ لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا أُخِذَ بِرَدِّهِ فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّ مِثْلِهِ بِحَالٍ أَبَدًا قُوِّمَتْ الْأَرْضُ وَعَلَيْهَا ذَلِكَ التُّرَابُ، وَقُوِّمَتْ بِحَالِهَا حِينَ أَخَذَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>