للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسياقته إليه، واستقلَّ ما من نفسه من الطّاعات لربِّه، ورآها ولو ساوت طاعات (١) الثّقلين من أقلِّ (٢) ما ينبغي لربِّه عليه، واستكثر قليل معاصيه وذنوبه، فإنّ الكسرة التي حصلت لقلبه أوجبت له هذا كلَّه.

فما أقربَ الجبرَ (٣) من هذا القلب المكسور، وما أدنى النصرَ والرحمةَ والرِّزق منه، وما أنفعَ هذا المشهدَ له وأجداه عليه! وذرّةٌ من هذا ونَفَسٌ منه أحبُّ إلى الله من طاعاتٍ أمثال الجبال من المُدلِّين المُعجَبين بأعمالهم وعلومهم وأحوالهم، وأحبُّ القلوب إلى الله تعالى قلبٌ قد تمكّنت منه هذه الكسرة وملكته هذه الذِّلَّة، فهو ناكس الرّأس بين يدي ربِّه تعالى، لا يرفع رأسه إليه حياءً وخجلًا من الله تعالى.

قيل لبعض العارفين (٤): أيسجد القلب؟ قال: نعم، يسجد سجدةً لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللِّقاء، فهذا سجود القلب.

فقلبٌ لا تباشره هذه الكسرة فهو غير ساجدٍ السُّجودَ المراد منه، وإذا سجد القلب لله هذه السّجدة العظمى سجدت معه جميع (٥) الجوارح، وعنا الوجهُ حينئذٍ للحيِّ القيُّوم، وخشع الصَّوت والجوارح كلُّها، وذلّ


(١) ش: «طاعة».
(٢) ش: «أجلّ»، تصحيف.
(٣) ج: «فإذا قَرُب الجبرُ»، تحريف.
(٤) في «فتاوى شيخ الإسلام» (٢١/ ٢٨٧) أنه سهل بن عبد الله التستري، ولكن في «الفتوحات» لابن العربي (١/ ٥١٥) أن سهلًا هو السائل، والمسؤول بعض العارفين مِن عبَّادان.
(٥) «جميع» سقطت من ج، ن.

<<  <  ج: ص:  >  >>