للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العذاب ويريد نحره في آخر الأمر، إذ حانت منه التفاتةٌ إلى نحو ديار (١) أبيه فرأى أباه منه قريبًا، فسعى إليه وألقى نفسه عليه، يستغيث: يا أبتاه، يا أبتاه! انظر إلى ولدك وما هو فيه، ودموعه تستبق على خدَّيه، قد اعتنقه والتزمه، وعدوُّه في طلبه حتّى وقف على رأسه، وهو ملتزمٌ لوالده ممسكٌ له، فهل تقول: إنّ والده يسلمه مع (٢) هذه الحال إلى عدوِّه ويخلِّي بينه وبينه؟ فما الظّنُّ بمن هو أرحم بعبده من الوالد بولده والوالدة بولدها إذا فرَّ إليه، وهرب من عدوِّه إليه، وألقى نفسَه طريحًا ببابه، يمرِّغ خدّه في ثَرى أعتابه باكيًا بين يديه، يقول: يا ربِّ، يا ربِّ، ارحم من لا راحم له سواك، ولا وليَّ له سواك (٣)، ولا ناصر له سواك (٤)، ولا مؤوي له سواك، ولا مغيث له سواك؛ مسكينك وفقيرك، وسائلك ومؤمِّلك ومرجِّيك، لا ملجا ولا منجا له منك إلّا إليك، أنت ملاذه وبك معاذه.

يا من ألوذ به فيما أؤمِّله ... ومن أعوذ به فيما (٥) أحاذره

لا يجبر النّاس عظمًا أنت كاسِرُه ... ولا يَهيضُون عظمًا أنت جابره (٦)

فإذا استبصر في هذا المشهد، وتمكَّن (٧) من قلبه وباشره, وذاق طعمه


(١) م، ج، ن: «دار».
(٢) ج، ن: «مُسْلمه على».
(٣) «ولا وليَّ له سواك» ساقط من ع.
(٤) «ولا ناصر له سواك» ساقط من ج، ن.
(٥) ل، ش، ع: «مما».
(٦) البيتان لأبي الطيب المتنبي، وقد تقدَّما (١/ ٢٨٩).
(٧) في الأصل وغيره: «تمكَّن» من دون واو العطف على أنه جواب «إذا»، ولعلَّ المثبت من ع أشبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>