للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَفَهِمَتِ الْأَنْصَارُ أَنَّهُ يَعْنِيهِمْ، فَبَادَرَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَأَنَّكَ تُعَرِّضُ بِنَا؟ وَكَانَ إِنَّمَا يَعْنِيهِمْ، لِأَنَّهُمْ بَايَعُوهُ عَلَى أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ فِي دِيَارِهِمْ، فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ، اسْتَشَارَهُمْ لِيَعْلَمَ مَا عِنْدَهُمْ، فَقَالَ لَهُ سعد: لَعَلَّكَ تَخْشَى أَنْ تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى حَقًّا عَلَيْهَا أَنْ لَا يَنْصُرُوكَ إِلَّا فِي دِيَارِهَا، وَإِنِّي أَقُولُ عَنِ الْأَنْصَارِ، وَأُجِيبُ عَنْهُمْ: فَاظْعَنْ حَيْثُ شِئْتَ، وَصِلْ حَبْلَ مَنْ شِئْتَ، وَاقْطَعْ حَبْلَ مَنْ شِئْتَ، وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ، وَأَعْطِنَا مَا شِئْتَ، وَمَا أَخَذْتَ مِنَّا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِمَّا تَرَكْتَ، وَمَا أَمَرْتَ فِيهِ مِنْ أَمْرٍ فَأَمْرُنَا تَبَعٌ لِأَمْرِكَ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ سِرْتَ حَتَّى تَبْلُغَ الْبَرْكَ مِنْ غُمْدَانَ لَنَسِيرَنَّ مَعَكَ، وَوَاللَّهِ لَئِنِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ خُضْنَاهُ مَعَكَ.

«وَقَالَ لَهُ المقداد: لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ، وَعَنْ شِمَالِكَ، وَمِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ، وَمِنْ خَلْفِكَ. فَأَشْرَقَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسُرَّ بِمَا سَمِعَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: (سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَصَارِعَ الْقَوْمِ» ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>