للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هلاكُه؛ نحوَ الذَّهَبِ، والفِضَّةِ، والحُليِّ، والمتاع، والثِّيابِ، والسُّيوفِ، ونحوِ ذلك ممَّا يُغَابُ عليه، ويخْفَى هَلاكُه، فهو مَضْمُون إذا خَفِيَ هلاكُه، ويتَرادَّانِ الفضْلَ فيما بينهما، وإن كانت قيمةُ الرَّهْنِ أكثرَ مِن الدَّيْنِ، ذهب الدَّيْنُ كلُّه، ورجَع الراهنُ على المرتهِنِ بفضلِ قيمةِ الرهنِ، وإن كانت قيمةُ الرهنِ (١) مثلَ الدينِ، ذهَب بما فيه، وإن كانت قيمتُه أقلَّ مِن الدينِ، رجَع المرتهنُ على الرَّاهِنِ بباقي دينِه. إلّا أنَّ مالكًا وابنَ القاسم يقولان: إن قامَتِ البينةُ على هَلاكِ ما يُغابُ عليه، فليس بمَضْمُونٍ، إلّا أن يتَعَدَّى فيه المرتهِنُ أو يُضَيِّعَه، فيَضْمَنَ. وقال أشهبُ: كلُّ ما يُغابُ عليه مَضْمُونٌ على المرتهِنِ، خَفِي هَلاكُه أو ظهَر. وهو قولُ الأوزاعيِّ والبتِّيِّ (٢).

قال أبو عمر: فإنِ اختَلَف الراهنُ والمرتَهِنُ في قيمةِ الرَّهنِ، فهو باب غيرُ هذا، ولا يجمُلُ بنا ذكرُ مسائلِ الرهونِ كلِّها؛ لخُرُوجِنا بذلك عن تأليفنا، وإنّما نذْكُرُ مِن المسائلِ في كتابِنا ما كان في معنى الحديثِ المذكُورِ لا غير.

وقد جوَّد مالكٌ مذْهَبَه في اختِلافِ الراهِنِ والمُرْتَهِنِ في قيمةِ الرهنِ، وفي مِقْدَارِ الدَّينِ جميعًا، في كتابِه "المُوطَّأ"، وقد ذكرنا ما للعلماءِ مِن خِلافِه ومُوافَقَتِه، ووجْهَ قولِ كلِّ واحدٍ منهم في كتابِ "الاسْتِذْكار" (٣)، والحمدُ لله.

فإن كان الرَّهْنُ ممَّا يظْهَرُ هَلاكُه؛ نحوَ الدارِ، والأرَضِينَ، والحيوانِ، فهو مِن مالِ الراهِن، ومُصيبَتُه منه، والمُرتهِنُ فيه أمينٌ، ودَينُ المرتهنِ فيه ثابِت على حالِه. هذا كلُّه قولُ مالكٍ، وعثمانَ البتِّيِّ، والأوزاعِيِّ (٤). وروى هذا القولَ


(١) من قوله: "أكثر من الدين ... " إلى هنا لم يرد في د ١.
(٢) نقل جملة هذه الأقوال محمد بن نصر المروزي في اختلاف الفقهاء ص ٥٦٦، وينظر: التهذيب في اختصار المدوّنة لخلف بن أبي القاسم القيرواني ٤/ ٤٩، وبداية المجتهد لابن رشد ٤/ ٥٥.
(٣) الاستذكار ص ٤٠٦٧ - ٤٠٧٦ (قلعجي)، ٧/ ١٣١ - ١٣٩ (العلمية).
(٤) نقله عنهم المروزي في اختلاف الفقهاء، ص ٥٦٦، وينظر: اختلاف الفقهاء لابن جرير الطبري، ص ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>