للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرِثُ، ويصلَّى عليه إذا استُوقِنتْ حياتُه بأيِّ شيءٍ وصحَّت من ذلك كلِّه. وهو قولُ الشافعيِّ، والكوفيِّ، وأصحابِهم (١).

وفي هذا الحديثِ أيضًا من المعاني، إنكارُ الكلام إذا لم يكنْ في موضعِه، وكان جهلًا من قائلِه. وقد زعَم قومٌ أنَّ في هذا الحديثِ ما يدلُّ على كراهيَةِ التَّسجيع في الكلام. وقال آخرون: إنّما كرِه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تسجيعَ الهُذَليِّ في هذا الحديثِ لأنّه كلامٌ اعترَض به قائلُه على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - اعتراضَ منكِرٍ، وهذا لا يحلُّ لمسلم أن يفعَلَه، وإنَّما ترَك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - التَّغليظَ عليه في الإنكارِ لأنّه كان أعرابيًّا لا علمَ له بأحكام الدِّينِ، فقال له قولًا ليِّنًا، وتلك شَيْمتُه - صلى الله عليه وسلم -؛ ألّا ينتقمَ لنفسِه، وأن يُعرِضَ عن الجاهلينَ.

وفي قولِه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديثِ: "إنّما هذا من إخوانِ الكُهَّانِ" دليلٌ على أنَّ الكُهَّانَ كانوا كلُّهم يَسجَعون، أو كان الأغلبَ منهم السَّجْعُ، وهذا معروفٌ عن كُهَّانِ العربِ، يُغني عن الاستشهادِ عليه، وكلُّ ما نُقِل عن شِقٍّ وسَطِيح (٢) وغيرِهما من كُهَّانِ العربِ في الجاهليَّةِ فكلام مُسجَّع كلُّه، وإنّما يُنكرُ على الإنسانِ الخطيبِ أو غيرِه في المتكلِّمين أن يكونَ كلامُه كلُّه تسجيعًا أو أكثرُه، وأمَّا إذا كان السَّجعُ أقلَّ كلامِه فليس بمعيبٍ، بل هو مُستحسَنٌ محمودٌ، وقد رُويَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال في بعض جِراحاتِه: "هل أنتِ إلّا إصبَعٌ دَمِيتِ، وفي سبيل الله ما لَقِيتِ؟ " (٣). وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أنا النبيُّ لا كذِبْ، أنا ابنُ عبدِ المطَّلب" (٤).


(١) ينظر: الأمّ للشافعيّ ٦/ ١١٦، والمجموع شرح المهذّب للنَّووي ١٦/ ١٠٩.
(٢) شِقٌّ: هو ابن صعب بن يشكر، من نزار، وسَطِيح: هو ربيع بن ربيعةَ، من غسّان، وتُنظر قصَّتهما وما جاء في أمرهما في السِّيرة النبوية لابن هشام فيما نقله عن ابن إسحاق ١/ ١٥ - ١٧.
(٣) سيأتي بإسناد المصنّف مع تخريجه بعد قليل.
(٤) أخرجه أحمد في المسند ٣٠/ ٤١٣ (١٨٤٦٨)، والبخاري (٢٩٣٠)، ومسلم (١٧٧٦) من حديث أبي إسحاق، عمرو بن عبد الله السَّبيعيِّ، عن البراء بن عازب رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>