للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدَلَّ من قال ذلك بحديثِ الأعمش، عن مُسْلم البَطِين، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباس، قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنّ أمّي ماتت وعليها صومٌ، أفأصومُ عنها؟ فقال: "أرأيتَ لو كان عليها دَيْنٌ، أكُنْتَ تَقْضيه؟ "، قال: نعم، قال: "فدَيْنُ الله أحقُّ أن يُقْضَى" (١).

قال أبو عُمر: هذا حديثٌ قد اختُلِفَ فيه عن الأعمشِ في إسنَادِه ومتْنِه؛ فقال فيه جماعةٌ من رُواتِه عنه بإسنادِه: عن ابنِ عباس، قال: جاءتِ امرأةٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إنّ أختي ماتت وعليها صيام (٢). وبعضُهم يقول في حديثِ ابنِ عباسٍ هذا: إنّ امرأةً جاءت إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أُمِّي ماتَت وعليها صومٌ (٣). وفي هذا ما يدُلُّكَ على أنّ هذا الحديثَ ليس ذلك الحديثَ، وأنَّ الرجلَ المذكورَ فيه ليس سعدَ بنَ عبادةَ، واللهُ أعلم. على أنَّ هذا الحديثَ مُضْطَرِبٌ، وقد كان ابنُ عباسٍ يُفْتي بخلافِه، فدَلَّ على أنه غيرُ صحيح عنه.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه (١٩٥٣) عن محمد بن عبد الرحيم، عن معاوية بن عمرو، عن زائدة، عن الأعمش، به، ومُسلم في الصحيح (١١٤٨) عن إسحاق بن إبراهيم، عن عيسى بن يونس، عن الأعمش، به.
(٢) ذكره البخاري في صحيحه (١٩٥٣) مُعلَّقًا من طريق أبي خالد، عن الأعمش، عن الحكم، ومسلم البطين وسلمة بن كُهيل، عن سعيد بن جُبير وعطاء ومجاهد عن ابن عباس. وأخرجه الترمذي في الجامع (٧١٦)، وابن ماجة في السنن (١٧٥٨)، والنسائي في السنن الكبرى (٢٩٢٦)، وابن خُزيمة في صحيحه (١٩٥٣)، والدارقطني في السنن ٢/ ١٩٥، كلهم من طريق أبي خالد الأحمر بمثل سياق البخاري.
وقد حكم الحفاظ على رواية أبي خالد بالمخالفة والتفرد، في مقابل رواية زائدة بن قدامة التي أخرجها البخاري ومسلم عنه عن الأعمش، عن مسلم، به. فقد قال الدارقطني بعد أن ساق حديث زائدة السنن ٢/ ١٩٢: هذا أصحُّ إسنادًا من حديث أبي خالد، وقال ابن حجر في تغليق التَّعليق ٣/ ١٩٣ بعد أن بيَّن تفرُّد أبي خالد ومخالفته: اعتمد الشيخان رواية زائدة لحفظه فرجحت على باقي الرّوايات. وهذا حكم بشذوذ وضعف رواية أبي خالد.
(٣) ذكره البخاري في الصحيح (١٩٥٣) معلقًا، ومسلم في الصحيح (١١٤٨) كلاهما من طريق الأعمش، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>