للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الطَّبريُّ: للمُسافِرِ أن يَجْمعَ بين الظُّهرِ والعَصْرِ، ما بينَ الزَّوالِ، إلى أن تَغِيبَ الشَّمسُ، وبين المغرِبِ والعشاءِ، ما بين مَغيبِ الشَّمسِ، إلى طُلُوع الفجرِ. قال: والجمعُ في المَطرِ كذلك (١).

وقال أحمدُ بن حَنْبل: وجهُ الجمع، أن يُؤَخِّر الظُّهرَ حتّى يدخُلَ وقتُ العَصرِ، ثُمَّ ينزِلَ فيَجْمعَ بينَهُما، ويُؤَخِّرَ المغرِبَ حتّى يغيبَ الشَّفقُ، ثمَّ يجمعَ بين المغرِبِ والعِشاءِ. قال: فإن قدَّمَ العصرَ إلى الظُّهرِ، والعشاءَ إلى المغرِبِ، فأرجُو أن لا يكون به بأسٌ. قال إسحاقُ: لا بأسَ بذلك بلا رجاء (٢).

قال أبو عُمر: في حديثِ مُعاذٍ المذكُورِ في هذا البابِ، ما يَقْطعُ الالتِباسَ في أنَّ للمُسافِرِ أن يجمعَ بينَ الصَّلاتينِ، وإن لم يجِدَّ به السَّيرُ، وليسَ فيما رُوِيَ من الآثار (٣) عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ كان إذا جدَّ به السَّيرُ، جمعَ بين المغرِب والعشاءِ، ما يُعارِضُ حديثَ مُعاذِ بن جبل؛ لأنَّ المُسافِرَ إذا كان لهُ في السُّنَّةَ أن يجمعَ بينَ الصلاتينِ، نازِلًا غيرَ سائرٍ، فالذي يجِدُّ به السَّيرُ أحْرَى بذلك، وليسَ في واحِدٍ من الحديثينِ ما يَعْترِضُ على الثّاني به، وهُما حالانِ، وإنَّما كانا يكونانِ مُتعارِضَيْنِ لو كان في أحَدِهما أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يَجمعُ المُسافِرُ بين الصَّلاتينِ، إلّا أن يجِدَّ به السَّيرُ. وفي الآخرِ: أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - جمعَ بين الصَّلاتينِ في سَفرِهِ إلى تبُوكَ، نازِلًا غيرَ سائرٍ. فأمّا أن يجمعَ، وقد جدَّ به السَّيرُ، ويجمعَ وهُو نازِلٌ لم يجِدَّ به السَّيرُ، فليسَ هذا بمُتعارِضٍ عِندَ أحدٍ لهُ فهمٌ، وبالله التَّوفيقُ.

فإنِ احتجَّ مُحتجٌّ بحديثِ فُضَيلِ بن غَزْوانَ، عن نافِع، عن ابن عُمرَ، أنَّهُ اسْتُصْرِخَ على صفيَّةَ في مَسِيرِهِ من مكّةَ إلى المدينةِ، فأخَّرَ المغرِبَ عن وَقْتِها الذي


(١) انظر: الاستذكار ٢/ ٢٠٨.
(٢) انظر: الأوسط لابن المنذر ٢/ ٤٢٨.
(٣) قوله: "من الآثار" من ظا.

<<  <  ج: ص:  >  >>