للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرى أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مع حِلْمِهِ وما كان عليه من الخُلُقِ العظيم، كيف سبَّ الرَّجُلينِ، فقال لهُما ما شاءَ اللهُ أن يقولَ، إذ خالفاهُ، وأتيا ما نَهَى عنهُ؟

وفيه: عَلَمٌ عظيمٌ من أعلام نُبُوَّتِهِ، إذ غسَلَ وجهَهُ ويَدَيهِ بقليلِ ماءِ تلك العَيْنِ، ثُمَّ صبَّهُ فيها، فجَرتِ العينُ بماءٍ كثيرٍ عَمَّهُم وفضَلَ عنهُم، وتمادَى إلى الآنِ، ويَتَمادَى إلى قيام السّاعةِ إن شاءَ الله، وهكذا النُّبُوَّةُ. وأمّا السِّحرُ فلا يَبْقَى بعد مُفارقةِ عينِ صاحِبِهِ ألبتَّةَ، وهذا ما لا يَدْفعُهُ مُسلمٌ.

وحدَّثني أحمدُ بن محمدٍ وسعيدُ بن نَصرٍ وأحمدُ بن قاسم، قالوا: حدَّثنا وَهْبُ بن مسرَّةَ، قال: حدَّثنا ابنُ وضّاح، قال: أنا رأيتُ ذلكَ المَوْضِعَ كلَّهُ حَوالَيْ تلكَ العينِ جِنانًا خَضِرةً نَضِرةً.

وفيه: إخبارُهُ - صلى الله عليه وسلم - بغَيْبٍ كان بعدهُ، وهذا غيرُ عجِيبٍ منهُ، ولا مجهُولٍ من شأنِهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّم وعلا (١) ذِكرُهُ.

وأمّا قولُهُ في الحديثِ: "والعينُ تبِضُّ بشيءٍ من ماءٍ" فمعناهُ أنَّها كانت تَسيلُ بشيءٍ من ماءٍ ضَعِيفٍ. قال حُميدُ بن ثور (٢):

مُنعَّمةٌ لو يُصبِحُ الذَّرُّ ساريًا ... على جِلدِها بضَّت مَدارِجُهُ دما

وتقولُ العَرَبُ للموضِع حين يَنْدَى: قد بضَّ، وتقولُ: ماءٌ بَضَّ بقَطْرةٍ.

وهذه الرِّوايةُ الصحيحةُ المشهُورةُ في "المُوطَّأ": تَبِضُّ، بالضّادِ المنقوطةِ، ومن رواهُ بالصادِ، وضمِّ الباءِ، فمعناهُ أنَّهُ كان يُضيءُ فيها شيءٌ من الماءِ ويَبْرُقُ، ويُرَى لهُ بَصِيصٌ، أو شيءٌ من بَصِيصٍ، وعلى هذهِ الرّوايةِ الأُولى النّاسُ.


(١) في ض، م: "وأعلى"، والمثبت من ظا.
(٢) انظر: البيت في غريب الحديث للخطابي ١/ ٥٢٤، وفيه: "لو يدرج الذر" بدل: "لو يصبح الذر".

<<  <  ج: ص:  >  >>