للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واتَّفقَ ربيعةُ، ومالكٌ، والأوزاعيُّ، على أنَّ الأشياءَ المُسَبَّق بها لا ترجِعُ إلى المُسَبِّقِ بها على حال.

وخالَفهُمُ الشّافِعيُّ، وأبو حَنِيفةَ، والثَّوريُّ، وغيرُهُم.

ومِن حُجَّةِ هؤُلاءِ: أنَّ أُصُولَ الأشياءِ المُسَبَّقِ بها قد كانت في مِلْكِ أربابِها، وإنَّما أخرج الشَّيءَ ربُّهُ على شَرْطٍ، فلا يجُوزُ أن يُملَكَ عنهُ إلّا بذلكَ الشَّرطِ، أو ينصرِفَ إليه.

وأجمَعَ أهلُ العِلم، على أنَّ السَّبَقَ لا يجُوزُ على وَجْهِ الرِّهانِ إلّا في الخُفِّ والحافِرِ والنَّصلِ، فأمّا الخُفُّ، فالإبِلُ. وأمّا الحافِرُ، فالخَيْلُ. وأمّا النَّصلُ، فكلُّ سهْم وسِنانٍ.

وقال مالكٌ والشّافِعيُّ: ما عَدا هذه الثَّلاثَ، فالسَّبقُ فيها قِمارٌ (١).

وأجازَ العُلماءُ في غيرِ الرِّهانِ السَّبَقَ على الأقْدام، لما في حَديثِ سَلَمةَ بن الأكوع، الحديث الطَّويل في ذِكرِ إغار عُيَينةَ بن حِصْنٍ وابنِهِ، على سَرْح المدينةِ، ولِقاح رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكَرَ انصِرافهُم معَ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وما أظْفَرهُمُ الله به من عدُوِّهِم، قال: وأرْدَفني رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فلمّا كان بَيْننا وبينَ المدينةِ ضَحْوَةٌ، وفينا رجُلٌ من الأنصارِ لا يُسبَقُ عَدْوًا، فقال: هل من مُسابِقٍ إلى المدينةِ؟ ألا مُسابِقٌ؟ فأعادها مِرارًا وأنا ساكِتٌ، فقلتُ لهُ: أمَّا تُكرِمُ كريمًا ولا تَهابُ شريفًا؟ قال: لا، إلّا أن يكونَ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلتُ: يا رسُولَ الله دَعْني فلأُسابِق هذا الرَّجُل. قال: "إن شِئتَ". فنَزلتُ فطَفِقَ يَشْتدُّ وحَبَستُ نَفَسِي عن الاشْتِدادِ، شَرفًا أو شَرفينِ، ثُمَّ عَدَوتُ فلحِقتُهُ، فصَكَكتُ بينَ كَتِفيه وقلتُ: سَبقتُكَ واللّه،


(١) الأقوال المتقدمة كلها في مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٥١٧، وهي في الاستذكار ٥/ ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>