للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال امرُؤُ القيسِ بن حُجْرٍ (١):

إذا سافَهُ العَوْدُ الدِّيافي (٢) جَرْجَرا

أي: رَغا لبُعدِ الطَّرِيقِ وصُعُوبتِهِ.

وأمّا قولُهُ في الحديثِ: "يُجرجِرُ في بطنِهِ نارَ جهنَّمَ". فإنَّما معناهُ: الزَّجرُ والتَّحذِيرُ

والتَّحرِيمُ، فجاءَ بهذا اللَّفظِ، كما قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: ١٠].

وهذا الحديثُ يَقْتضِي الحظَرَ والمنعَ من اتِّخاذِ أواني الفِضّةِ، واستِعمالِها في الشُّربِ، والأكلِ فيها، واتِّخاذِها.

والعُلماءُ كلُّهُم لا يُجِيزُونَ استِعمالَ الأواني من الذَّهَبِ، كما لا يُجِيزُونَ ذلك من الفِضّةِ؛ لأنَّ الذهَبَ لو لم يكُنِ الحديثُ وردَ فيه، لكان داخِلًا في معنَى الفِضّةِ، لأنَّ العِلّةَ في ذلك، واللهُ أعلمُ، التَّشبُّهُ بالجبابِرةِ، ومُلُوكِ الأعاجِم، والسَّرَفِ، والخُيَلاءِ، وأذَى الصّالحِينَ، والفُقراءِ الذينَ لا يجِدُونَ من ذلك ما بهم الحاجة إليه.

ومعلُومٌ أنَّ الذَّهبَ أعظمُ شأنًا من الفِضّةِ، فهُو أحرَى بذلك المعنى، ألا تَرى أنَّ النَّهيَ لمّا وردَ عنِ البولِ في الماءِ الرّاكِدِ، كان الغائطُ أحْرَى أن يُنهَى عنهُ في ذلك؟ فكيفَ وقد وردَ النَّهيُ عن ذلك منصُوصًا!


(١) انظر: ديوانه، ص ٦٦.
(٢) في م: "النباطي" وكذا في ديوان امرئ القيس، ص ٩٦، والمثبت من الأصل، وهي رواية مشهورة في كتب اللغة والأدب لهذا الشطر من البيت، فينظر الزاهر لابن الأنباري ١/ ٥١١، وتهذيب اللغة للأزهري ١٤/ ١٤٠، ومجمل اللغة لابن فارس ١/ ٣٤١، ومقاييس اللغة ٢/ ٣١٨، وأساس البلاغة للزمخشري ١/ ٤٨٣، ولسان العرب ٩/ ١٠٨. والعود: الجمل المسن، والنباطي: الضخم، والدِّيافي: الجمل المنسوب إلى دياف موضع بالجزيرة كما في المصادر السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>