للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شبَّه اضطرابَ مَشافرِ الإبل وهي تَنْفي الذُّباب عنها، بنِعال السِّبْتِ في أيدي المأتم، والمأتم: النِّساء اللَّواتي يَبكين ويَنُحْنَ على الميت.

وقوله: "أو عذَبُ الثياب" يريدُ خِرَقًا يحبِسُها النساءُ بأيديهنَّ عند النِّياح، ويحبِسْنَ أيضًا النعال بأيديهنَّ، كان هذا من فعل المأتَم في الجاهلية.

ولا أعلمُ خلافًا في جواز لباس النِّعال السِّبتيّة في غير المقابر، وحسبُك أنَّ ابنَ عمر يروي عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه كان يلبَسُها، وفيه الأُسوةُ الحسنةُ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقد رُوِيَ عنه أنه رأى رجلًا يلبَسُهما في المَقْبُرة فأمَره بخلعِهما. وقد يجوزُ أن يكون ذلك لأذًى رآه فيهما، أو لما شاء اللَّه، فإنَّه حديثٌ مُختَلَف فيه، وقد رُوِيَ عنه ما يُعارضه:

والحديثُ حدَّثناه عبدُ الوارث بنُ سفيان، قال: حدَّثنا قاسمُ بنُ أصبغَ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ سليمان بنِ داودَ المِنْقَرِيُّ البَصريُّ بمصر، قال: حدَّثنا سليمانُ بنُ حرب، قال: حدَّثنا الأسودُ بنُ شيبان، قال: أخبرني خالدُ بنُ سمير، قال: أخبرني بَشيرُ بنُ نَهيك، قال: أخبرني بَشيرُ بنُ الخَصاصِيَة -وكان اسمُه في الجاهلية زَحْمًا، فسمّاه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بَشيرًا- قال بشير: بينما أنا أمشي بينَ المقابر وعليَّ نعلان، فإذا رجلٌ يُنادي من خَلْفي: " يا صاحبَ السِّبْتيَّتَيْن، يا صاحبَ السِّبْتيَّتَيْن". فالتفتُّ فإذا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لي: "إذا كنتَ في مثل هذا الموضع فاخلَعْ نعلَيْك". قال: فخلَعْتُهما (١).

هكذا قال، إنه كان اللابسَ لهما والمأمورَ فيهما.

وأخبرنا عبدُ اللَّه بن محمد، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ بكر، قال: حدَّثنا أبو داود،


(١) أخرجه ابن حزم في المحلّى ٥/ ١٣٧ من طريق محمد بن سليمان المنقري البصري، به.
وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (٨٢٩) عن سليمان بن حرب الأزديّ، به. وفيه عند البخاري أنّ اللابسَ للنعلين السّبتيتين رجل آخر غير بشير ابن الخصاصية راوي الحديث. خالد بن سُمَير: هو السَّدوسيّ البصري، وهو ثقة كما في تحرير التقريب (١٦٤٢)، وباقي رجال إسناده ثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>