للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: ذكَرَ الجوهريُّ (١) والنَّسائيُّ في مسنده (٢) حديثَ مالكٍ عن يحيى بنِ سعيد، عن أبي سَلَمة، عن عائشة، سمِعها تقول: إن كان ليكونُ عليَّ الصِّيامُ من رَمَضان، فما أستطيعُ أن أقضِيَهُ حتى يأتي شعبانُ. فأدْخَلا هذا في المُسنَد ولا وجْهَ له عندي إلّا وجْهٌ بعيدٌ؛ وذلك أنَّه زعمَ أنّ ذلكَ كان لحاجةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليها؛ واستدلَّ بحديث مالكٍ عن أبي النَّضْر، عن أبي سَلَمة، عن عائشة، قالت: ما رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلَّم - أكثر صيامًا منه في شعبان (٣). وقد يُسْتَدلُ من قول عائشة هذا على جواز تأخير قَضَاء رَمَضان، لأنَّ الأغلب أن تركها لقضاء ما كان عليها من رَمَضان لم يكن إلا بعِلْم رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - وإذا كان ذلك كذلك، كان فيه بيان لمراد الله عزَّ وجلَّ من قوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤]، لأنَّ الأمرَ يقتضي الفَوْر حتى تقومَ الدَّلالة على التَّراخي كما يقتضي الانقياد إليه، ووجوب العَمَل به حتى تقومَ الدَّلالة على غير ذلك، وفي تأخير عائشة قضاءَ ما عليها من صيام رَمَضان دليلٌ على التَّوسعة والرُّخصة في تأخير ذلك، وذلك دليلٌ على أنَّ شَعْبانَ أقصى الغاية في ذلك، فمن أخَّرَهُ حتى يدخل عليه رَمَضان آخر، وَجَبَت عليه الكَفّارةُ التي أفتى بها جمهور السَّلَف والخَلَف من العُلماء، وذلك مُدٌّ عن كل يوم، والله أعلم (٤).


(١) في مسند الموطأ (٧٩٨).
(٢) هو في المجتبى ٤/ ١٩١.
(٣) قال الجوهري: قال ابن القاسم: يشبه أن يكون هذا لحاجة النبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - إليها لأنها قالت في حديث آخر: "ما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان " فلهذا أدخلناه في المسند، وبالله التوفيق" ثم استدرك فقال: "وهو حديث موقوف أدخله النسائي في المسند".
(٤) قلنا: إنما ساق المصنف هذا الحديث من غير أن يلحقه بأحاديث يحيى بن سعيد المسندة لأن الصحيح عنده الوقف، وقد قال في التجريد، ص ٢١٤: "ليس يصح إدخاله عندي في المسند".

<<  <  ج: ص:  >  >>