للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لقد تابَتْ توبةً لو قُسِمَتْ بينَ سبعينَ من أهلِ المدينةِ لوَسِعَتْهم، وهل وجَدَت أفضلَ من أن جادتْ بنفسِها؟ " (١).

هكذا قال الأوزاعيُّ: عن يحيى، عن أبي قِلابة، عن أبي المهاجر. إن صحَّ عنه. والصوابُ ما قاله هشام (٢)، عن يحيى، عن أبي قِلابة، عن أبي المهلَّب. وهشامٌ عندَهم أحفظُ من الأوزاعيِّ، وقد تابعَه أبانٌ ومَعْمَرٌ.

وأما قولُ الأوزاعيِّ في هذا الحديث: ثم صلَّى عليها. فهو وَهمٌ، إلا أن يكونَ أضاف الصلاةَ إليه لأنه أمَر بها -صلى الله عليه وسلم-، فقد يُضافُ الفعلُ إلى الآمرِ به كما يُضافُ إلى فاعلِه، يقال: فلانٌ بَنَى دارًا، أو غرَس غرسًا. ولم يصنَعْ ذلك بنَفْسِه، وهذا من قوله عزَّ وجلَّ: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ} [الزخرف: ٥١].

وقد اختلَف العلماءُ في صلاةِ الإمام على مَن قتَله، أو أمَر بقتْلِه، في قصاصٍ أو حدٍّ أو رَجْم؛ فذهَب مالكٌ (٣) وأصحابُه إلى أن مَن قُتِل في قِصاصٍ أو حدٍّ أو رجْم، لم يُصلِّ عليه الإمامُ، وصلَّى عليه غيرُه، وكذلك قُطّاعُ الطريق.

وقال الكوفيون وغيرُهم (٤): لا فرقَ بينَ صلاةِ الإمام وصلاةِ غيرِه، إلا


(١) أخرجه ابن ماجه (٢٥٥٥)، والنسائيُّ في الكبرى ٦/ ٤٣٠ (٧١٥٧). ورجال إسناده ثقات، وأبو المهاجر. هو أبو المهلب الجرميّ، لكن وهِمَ فيه الأوزاعيُّ، فسمّاه أبا المهاجر، وهو ثقة، وهو عمُّ أبي قلابة كما سلف التعريف به قريبًا.
قال النسائيُّ في الكبرى ٦/ ٤٢٧ بإثر الحديث (٧١٥١): "أبو المهاجر خطأ، والصواب أبو المهلّب، وأبو قلابة اسمُه عبد الله بن زيد".
وقال ابن حبّان في صحيحه ١٣/ ٥٠ بإثر الحديث (٥٧٤٠): "عمُّ أبي قلابة هذا: هو عمرو بن معاوية بن زيد الجرْميُّ، كُنيته أبو المهلّب، وهِمَ الأوزاعيُّ في كُنيته، فقال: أبو المهاجر؛ إذِ الجوادُ يعْثُرُ".
(٢) هو الدَّسْتوائيُّ، وقد سلف تخريج حديثه قريبًا.
(٣) كما في المدوّنة ١/ ٢٥٤.
(٤) نقله عنهم الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ١/ ٣٣٩ - ٤٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>