للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ هُنَا وَقَفَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ عَنِ التَّحْدِيثِ إِلَّا بَعْدَ نِيَّةٍ صَحِيحَةٍ، قَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمَّا سَأَلَهُ الثَّوْرِيُّ التَّحْدِيثَ: حَتَّى تَجِيءَ النِّيَّةُ. وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ لِمَنْ سَأَلَهُ أَيْضًا: لَيْسَتْ لِي نِيَّةٌ. فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ تُؤْجَرُ، فَقَالَ:

يُمَنُّونَنِي الْخَيْرَ الْكَثِيرَ وَلَيْتَنِي ... نَجَوْتُ كَفَافًا لَا عَلَيَّ وَلَا لِيَا.

وَقَالَ كُلْثُومُ بْنُ هَانِئٍ - وَقَدْ قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا سَهْلٍ حَدِّثْنَا -: إِنَّ قَلْبِي لَا خَيْرَ فِيهِ، مَا أَكْثَرَ مَا سَمِعَ وَنَسِيَ. هَذَا وَهُوَ لَوْ شَاءَ فَعَلَ، كَمَا قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ السَّيْبَانِيُّ، وَلَكِنَّهُ أَشْفَقَ مِنَ الزَّهْوِ وَالْعُجْبِ حِينَ نَصَّبُوهُ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، إِنَّ لِذِكْرِ الْإِسْنَادِ فِي الْقَلْبِ خُيَلَاءَ.

وَتَصْحِيحُ النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا فِي كُلِّ عِبَادَةٍ، إِلَّا أَنَّ عَادَةَ الْعُلَمَاءِ تَقْيِيدُ مَسْأَلَتِنَا بِهِ، لِكَوْنِهِ قَدْ يَتَسَاهَلُ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ أَوْ يَغْفُلُ عَنْهُ، لَا سِيَّمَا وَالْحَدِيثُ عِلْمٌ شَرِيفٌ يُنَاسِبُ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنَ الشِّيَمِ، وَيُنَافِرُ مَسَاوِئَ الْأَخْلَاقِ وَمَشَائِنَ الشِّيَمِ، كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَالنِّيَّةُ تَعِزُّ فِيهِ لِشَرَفِهِ.

وَيَسْتَفِزَّ صَاحِبَهُ اللَّعِينُ بِهَدَفِهِ، وَمَنْ حُرِمَهُ فَقَدْ حُرِمَ خَيْرًا كَثِيرًا، وَمَنْ رُزِقَهُ بِشَرْطِهِ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا، وَنَالَ أَجْرًا كَبِيرًا، وَهُوَ مِنْ عُلُومِ الْآخِرَةِ لَا مِنْ عُلُومِ الدُّنْيَا ; لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لِذَاتِهِ لَا صِنَاعَةٌ.

وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ: لَيْسَ طَلَبُ الْحَدِيثِ مِنْ عُدَّةِ الْمَوْتِ، وَلَكِنَّهُ عِلَّةٌ يَتَشَاغَلُ بِهِ الرِّجَالُ. إِذْ طَلَبُ الْحَدِيثِ - كَمَا قَالَ الذَّهَبِيُّ: شَيْءٌ غَيْرُ الْحَدِيثِ. قَالَ: وَهُوَ اسْمٌ عُرْفِيٌّ لِأُمُورٍ زَائِدَةٍ عَلَى تَحْصِيلِ مَاهِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>